للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأيضا الشعر المستشهد به يفسد معناه لو لم يعالج بتقدير ونحوه، فهناك حاجة إلى العلاج قطعية، وأما الآية فلا حاجة فيها إلى ذلك من جهة اللفظ» (١).

وهكذا فقد أورد الطباطبائي حجج الشيعة الإمامية في توجيه الآية إلى معنى المسح دون معنى الغسل، وقد أطلنا في النقل عنهم في هذا الباب لأن المسألة من المسائل التي أطال القوم في بيانها، والاستدلال لها.

وهكذا فإن عامة الإمامية قد أخذت بهذه القراءة، وجعلت الواجب مسح الرجلين لا غسلهما، واستدلوا لذلك بما أخرج أبو داود من حديث أوس بن أوس الثقفي أنه رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أتى كظامة قوم بالطائف، فتوضأ، ومسح على نعليه وقدميه (٢)، وبما روي عن علي، وابن عباس، وأنس، لكن قد ثبت عنهم الرجوع عن ذلك.

قال الشوكاني (٣): وأما الموجبون للمسح، وهم الإمامية، فلم يأتوا مع مخالفتهم الكتاب والسّنة المتواترة قولا وفعلا بحجة نيّرة، وجعلوا قراءة النصب عطفا على محلّ قوله: بِرُؤُسِكُمْ والسبب في ذكر الغسل والمسح في الأرجل بحسب قراءتي النصب والجر- كما ذكر الزمخشري (٤) - هو توقّي الإسراف؛ لأن الأرجل مظنة لذلك.

ويلاحظ أن الإمامية في إيران اليوم يقرءون بقراءة عاصم من رواية حفص، وهي في مصاحفهم بالنصب وَأَرْجُلَكُمْ وهذا يقوي ما نقله بعض الفقهاء من ثبوت رجوعهم عن ذلك (٥).

وأما الجواب على ما أورده الجعفرية فهو في ثلاث شعب:

الأول: أما قولهم بأن الفصل بين المتعاطفين ضعف في البلاغة، فإنه يرد عليه بما ورد من نظائر كثيرة لذلك التعاطف في الكتاب العزيز، كقوله سبحانه: وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى [طه: ٢٠/ ١٣٢]،


(١) المصدر نفسه.
(٢) سنن أبي داود، كتاب الطهارة، باب (٦٢)، مسند أحمد بن حنبل ١/ ١٢٠ و ١٤٨ و ٩/ ١٠ و ٢٥٢.
(٣) فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التنزيل للشوكاني، ط دار المعرفة ٢/ ١٨.
(٤) الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل للزمخشري، ط انتشارات آفتاب تهران ١/ ٥٧١.
(٥) انظر موسوعة الفقه الإسلامي وأدلته د. وهبة الزحيلي، ط دار الفكر ١/ ٢٢٤.

<<  <   >  >>