للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقد كمل الكلام بقوله: لكان لزاما، ثم عطف بقوله: وأجل مسمى، وذلك نكتة بديعة أراد به تهويل أمر الكلمة الإلهية فعجّل بجوابها، ثم عطف ببيان السبب الثاني وهو الأجل المسمّى.

ومثل ذلك قوله سبحانه: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ [المائدة: ٥/ ٥]، وليس ثمة عاقل يجيز عطف المحصنات هنا على أقرب مذكور؛ إذ ليست الآية في إباحة أكلهن، بل الآية في إباحة زواجهن، وحمل الْمُحْصَناتُ على الاستئناف ضعيف، لأنه لا بدّ فيه من تقدير الخبر، وإذا جاز التقدير وعدمه، فعدم التقدير أولى اتّفاقا.

الثاني: قال الطباطبائي: «إن حمل مسح الأرجل على الغسل دون مسح الرءوس؛ ترجيح بلا مرجح، وليت شعري ماذا يمنعه أن يحمل كل ما ورد المسح فيه مطلقا من كتاب أو سنّة على الغسل، وبالعكس، وما المانع حينئذ أن يحمل روايات الغسل على المسح، وروايات المسح على الغسل، فتعود الأدلة عن آخرها مجملات لا مبين لها؟» (١).

والجواب: أن هذا الحمل لم يتمّ من دون نصّ من السّنة الصحيحة، وقد قدمنا طرفا من الأدلة من جهة السّنة المطهرة لوجوب الغسل في الرجلين (٢). وأيضا يشهد لذلك المعقول، فإن الرجلين هما مجتمع الأوساخ والأقذار، وفيهما يرشح ويستقر الأذى والجراثيم، فكان غسلهما وتنظيفهما بالماء هو المطلوب، إلا إذا كانا معصومين بالخف، فيمكن حينئذ المسح على الأخفاف كما بيّنته السّنة المطهرة.

الثالث: أما قولهم بأن العطف مع التّجاور مفيد للعطف اللفظي والمعنوي لا محالة، فهو أيضا إلزام بغير ما ملزم، ويرد عليه ما قدمنا من كلام العرب: هذا حجر ضبّ خرب (٣)

، وكذلك ما ورد في التنزيل العزيز من مثل قوله سبحانه:


(١) الميزان للطباطبائي ٥/ ٢٢٤.
(٢) انظر ما قدمناه ٢٤٥ و ٢٤٦.
(٣) أورده بعض النحاة احتجاجا على الاستدلال بهذه العبارة، وفي ذلك قال سعيد الأفغاني: هذه جملة أولع بها قدماء النّحاة ومن بعدهم، ولا حجة فيها من وجهين: الأول: أن قائلها- إن وجد- مجهول. والثاني: أن الوقوف على الكلمة الأخيرة بالسكون، إذ العربي لا يقف على متحرك، فمن أين علموا أن قائلها جر: (خرب).

<<  <   >  >>