للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أظهره الله يوم بدر، وذلك قوله تعالى: وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (١). ويفهم من اختيار ابن العربي هنا أنه، لا يجعل هذه الآية أول ما نزل في أمر القتال. وقد رجح ابن العربي قراءة الكسر، مع أنه يقرأ كأهل بلدة قراءة نافع بفتح التاء، وهذا دليل على حياديته وتجرّده للحقيقة العلمية.

وينشأ عن اختلاف القراءات المتواترة في هذه الآية مسألة من أكثر المسائل التي تكلم فيها الفقهاء وهي: تحرير علّة المقاتلة في الإسلام.

وقد انقسم الفقهاء في هذه المسألة إلى فريقين؛ قال الأولون: إن علّة المقاتلة هي ردّ العدوان، وقال الآخرون: إن علّة المقاتلة هي الكفر، ولو لم يظهر من الكفار اعتداء.

وقد أخذ فقهاء الحنفية والمالكية بالقول الأول، فيما أخذ الشافعية وغالب الحنابلة بالقول الثاني.

وتعريف الجهاد عند عامة الفقهاء يتجه إلى أن علة الجهاد هي نصرة الإسلام، وهو تعليل يقوي مذهب الحنفية والمالكية.

نقل ابن عابدين من متأخري الحنفية تعريف الجهاد بأنه: الدعاء إلى الدين الحق، وقتال من لم يقبله بالمال والنفس (٢).

وتعريف الشافعية للجهاد: هو قتال الكفار لنصرة الإسلام (٣).

وقد قرر جمهور الفقهاء من مالكية، وحنفية، وبعض الحنابلة (٤)؛ أن مناط القتال هو الحرابة والمقاتلة والاعتداء، وليس محض الكفر (٥)، فلا يقتل شخص لمخالفته للإسلام أو لكفره، وإنما يقتل لاعتدائه على الإسلام، فغير المقاتل لا يجوز قتاله، وإنما يلتزم معه جانب السّلم، يدلّ


(١) أحكام القرآن لابن العربي المالكي ٣/ ١٢٧٩.
(٢) حاشية ردّ المحتار على الدّر المختار لابن عابدين ٤/ ١٢١. وانظر الدّر المختار ٣/ ٢٣٨.
(٣) حاشية الشرقاوي ٢/ ٣٩١. وانظر آثار الحرب في الفقه الإسلامي للدكتور وهبة الزحيلي ٢٣.
(٤) اختلفت عن أحمد الرواية، واختار ابن قدامة أن علة الجهاد هي الكفر كما سيأتي، وعاد ابن تيمية إلى أن علة الجهاد هي الحرابة، وعزا القول إلى أحمد. وسيأتي تفصيل ذلك.
(٥) واستدلوا بقوله تعالى: لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ.

<<  <   >  >>