للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لذلك نصوص الكتاب والسّنة والاعتبار (١). وأظهر الأدلة على ذلك من الكتاب قوله سبحانه:

وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [البقرة: ٢/ ١٩٢].

وقد عقد ابن تيمية، وهو من فقهاء الحنابلة، فصلا للرّد على من قال بأن الكفر موجب لشنّ الحرب، فقال في معرض الرّد على الشافعية في احتجاجهم بحديث «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله» (٢). قال: (هذا الحديث ذكر للغاية التي يباح قتالهم إليها، بحيث إذا فعلوها حرم قتالهم، والمعنى أني لم أؤمر بقتالهم إلا إلى هذه الغاية، فإن هذا خلاف النّص والإجماع، فإنه صلّى الله عليه وسلّم لم يفعل هذا قط، بل كانت سيرته أن من سالمه لم يقاتله) (٣).

وقد ثبت بالنّص والإجماع أن أهل الكتاب والمجوس مع أنهم ليسوا أهل كتاب إذا أدّوا الجزية حرم قتالهم (٤).

وكذلك فإنه لو كان الكفر علة الجهاد ما أمرنا بالكفّ عن المرأة والشيخ الكبير من المشركين، وهو ما دلت له نصوص كثيرة؛ منها ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «انطلقوا باسم الله، وبالله، وعلى ملّة رسول الله، لا تقتلوا شيخا فانيا، ولا طفلا، ولا امرأة» (٥).

واختار الشافعية ومتقدّمي الحنابلة أن المبيح للقتل هو الكفر وليس الحرابة، واستدلوا لذلك بعموم قوله سبحانه: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ [التوبة: ٩/ ٥].


(١) لكن نقل ابن رشد الحفيد في بداية المجتهد إجماعا غريبا فقال تحت عنوان: الفصل الثاني في معرفة الذين يحاربون:
فأما الذين يحاربون فاتفقوا على أنهم جميع المشركين لقوله تعالى: وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ إلا ما روي عن مالك أنه قال: لا يجوز ابتداء الحبشة، ولا التّرك بالحرب. انظر بداية المجتهد لابن رشد ١/ ٣٦٩.
(٢) رواه البخاري في كتاب الإيمان. ورواه مسلم في باب الأمر بقتال الناس حتى يشهدوا ... رقم (٢٢).
(٣) رسالة القتال لابن تيمية ١١٧.
(٤) المصدر نفسه.
(٥) رواه أبو داود في كتاب الجهاد، برقم ٨٢.

<<  <   >  >>