للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن قدامة: «مسألة: قال: ويقاتل أهل الكتاب والمجوس حتى يسلموا، أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، ويقتل من سواهم من الكفار حتى يسلموا» (١).

وقد اتّفق الشافعية والحنابلة في هذه المسألة، فجعلوا أهل الكتاب مستثنين من عموم قوله سبحانه: قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ [التّوبة: ٩/ ٢٨].

ونقل ابن قدامة عن أحمد أن الجزية تقبل من جميع الكفار إلا عبدة الأوثان من العرب، ثم قال: وهو مذهب أبي حنيفة لأنهم يقرون على دينهم بالاسترقاق، فيقرون ببذل الجزية كالمجوس (٢).

وهكذا فإن ابن قدامة هنا وافق الشافعية، وأشار إلى أن الإمام أحمد اختار رأيا وسطا بين الشافعية والحنفية، فقال بوجوب قتال عبدة الأوثان من العرب، والكفّ عمن سواهم حتى ظهور الحرابة منهم (٣).

ثم قال في الاستدلال لاختياره موافقا الشافعية: «ولنا عموم قوله تعالى: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ [التّوبة: ٩/ ٥]، وقول النّبي صلّى الله عليه وسلّم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله» خصّ منهم أهل الكتاب بقوله: حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ، وقوله صلّى الله عليه وسلّم في المجوس: «سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب» (٤)، فمن عداهما (٥) يبقى على مقتضى العموم، ولأن الصحابة رضي الله عنهم توقفوا في أخذ الجزية من المجوس، ولم يأخذ عمر منهم الجزية، حتى روى له عبد الرحمن بن عوف أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب» (٦)، وثبت عندهم أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم أخذ الجزية من مجوس هجر، وهذا يدلّ على أنهم لم يأخذوها من غيرهم؛ ولأن قول


(١) المغني لابن قدامة ٨/ ٣٦١.
(٢) المغني لابن قدامة ٨/ ٣٦١.
(٣) المصدر نفسه.
(٤) رواه ابن أبي شيبة، انظرا الكنز (١١٤٩٠).
(٥) في الأصل: فمن عداها. ولا يخفى أنه تحريف؛ إذ صوابه كما أثبتناه، انظر المغني لابن قدامة ٨/ ٣٦٣، سطر ١١.
(٦) مرّ تخريجه قبل قليل.

<<  <   >  >>