للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فاستعن بالله عليهم وقاتلهم» (١)، وهذا يحتمل أنه كان في بدء الأمر قبل انتشار الدعوة وظهور الإسلام، فأما اليوم فقد انتشرت الدعوة، فاستغنى بذلك عن الدعاء عند القتال، قال أحمد: كان النّبي صلّى الله عليه وسلّم يدعو إلى الإسلام قبل أن يحارب حتى أظهر الله الدين وعلا الإسلام، ولا أعرف اليوم أحدا يدعى، قد بلغت الدعوة كل الناس، فالروم قد بلغتهم الدعوة، وعلموا ما يراد منهم، وإنما كانت الدعوة في أول الإسلام، وإن دعا فلا بأس، وقد روى ابن عمر رضي الله عنه أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم أغار على بني المصطلق وهم غارون آمنون، وإبلهم تسقى على الماء، فقتل المقاتلة، وسبى الذرية (٢). وعن الصعب بن جثامة قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسأل عن الديار من ديار المشركين يبيتون، فيصيبون من نسائهم وذراريهم فقال: «هم منهم» (٣). وقال سلمة بن الأكوع:

«أمّر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبا بكر، فغزونا ناسا من المشركين، فبيّتناهم» (٤)، ويحتمل أن يحمل الأمر بالدعوة في حديث بريدة على الاستحباب، فإنها مستحبة في كل حال، وقد روي أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم أمّر عليّا حين أعطاه الراية يوم خيبر، وبعثه إلى قتالهم أن يدعوهم، وهم ممن بلغتهم الدعوة (٥).

ودعا خالد بن الوليد طليحة الأسدي حين تنبأ، فلم يرجع، فأظهر الله عليه، ودعا سلمان أهل فارس.

فإذا ثبت هذا فإن كان المدعو من أهل الكتاب أو مجوسا دعاهم إلى الإسلام، فإن أبوا دعاهم إلى إعطاء الجزية، فإن أبوا قاتلهم، وإن كانوا من غيرهم دعاهم إلى الإسلام، فإن أبوا قاتلهم، ومن قتل منهم قبل الدعاء لم يضمن، لأنه لا إيمان له ولا أمان، فلم يضمن كنساء من بلغته الدعوة وصبيانهم.

ثم استأنف ابن قدامة فقال: «ويقاتل أهل الكتاب والمجوس حتى يسلموا، أو يعطوا الجزية عن يد، وهم صاغرون، ويقاتل من سواهم من الكفار حتى يسلموا»، وجملته أن الكفار ثلاثة أقسام:


(١) رواه مسلم وأبو داود.
(٢) متفق عليه.
(٣) متفق عليه.
(٤) رواه أبو داود.
(٥) رواه البخاري.

<<  <   >  >>