للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قسم أهل كتاب: وهم اليهود، والنصارى، ومن اتّخذ التّوراة، والإنجيل كتابا، كالسامرة، والفرنج، ونحوهم، فهؤلاء تقبل منهم الجزية، ويقرّون على دينهم إذا بذلوها،

لقول الله تعالى: قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ [التّوبة: ٩/ ٢٩].

وقسم لهم شبهة كتاب: وهم المجوس، فحكمهم حكم أهل الكتاب في قبول الجزية منهم، وإقرارهم بها، لقول النّبي صلّى الله عليه وسلّم: «سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب»، ولا نعلم بين أهل العلم خلافا في هذين القسمين.

وقسم لا كتاب لهم ولا شبهة كتاب: وهو من عدا هذين القسمين من عبدة الأوثان، ومن عبد ما استحسن، وسائر الكفار، فلا تقبل منهم الجزية ولا يقبل منهم سوى الإسلام.

هذا ظاهر المذهب، وهو مذهب الشافعي، وروي عن أحمد أن الجزية تقبل من جميع الكفار إلا عبدة الأوثان من العرب. وهو مذهب أبي حنيفة لأنهم يقرون على دينهم بالاسترقاق فيقرّون ببذل الجزية كالمجوس، وحكي عن مالك أنها تقبل من جميع الكفار إلا كفار قريش لحديث بريدة الذي في المسألة قبل هذه وهو عام، ولأنهم كفار، فأشبهوا المجوس. ولنا عموم قوله تعالى: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ وقول النّبي صلّى الله عليه وسلّم: «أمرت أن أقاتل الناس حتّى يقولوا لا إله إلا الله») (١).

وفي هذا المعنى يعرف الحنفية الجهاد بقولهم: هو الدعاء إلى الدين الحق، وقتال من لم يقبله (٢). وقال الغنيمي الحنفي في اللباب: قتال الكفار واجب وإن لم يبدءونا (٣).

وهذا الرأي لا شك يندرج في الآراء التي تجعل الحرب في الإسلام هجومية، بمعنى أن المبادرة فيها بيد الجماعة المسلمة؛ إذ هي التي تعلن الحرب لا بقصد ردّ العدوان، بل بقصد تحقيق استعلاء دين الحق في الأرض.


(١) المغني لابن قدامة ٨/ ٣٦٢.
(٢) ردّ المختار على الدّر المختار ٤/ ١٢٠، وقال في الحاشية- الصفحة نفسها-: الحدود إخلاء عن الفسق، والجهاد إخلاء عن الكفر.
(٣) اللباب في شرح الكتاب ٤/ ١١٥، وقال في الحاشية بعد ذلك: للنصوص العامة.

<<  <   >  >>