للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وفي مقابل ذلك فقد اختار بعض الفقهاء أن الحرب في الإسلام دفاعية؛ بمعنى أن الحاكم المسلم لا يخول بإعلان حالة الحرب إلا حين وجود الحرابة من المشركين، أو التمهيد للعدوان والأذية.

وقد نقل القرطبي هذا القول عن محمد بن عبد العزيز، وابن عباس، ومجاهد، وذلك في معرض تصريحهم بأن آية وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ غير منسوخة (١).

ويدلّ على ذلك النصوص الكثيرة من الكتاب والسّنة التي دلّت على استبقاء كثير من المشركين من أهل الكتاب وغيرهم (٢) (٣)، فمن الكتاب قوله سبحانه: لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ* إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [الممتحنة: ٦٠/ ٨ - ٩]. وقوله سبحانه وهو آخر ما نزل في أمر الجهاد: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ... [التوبة: ٩/ ٦].

وقد روى الإمام أحمد بسنده عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: قدمت أمي وهي مشركة، فأتيت النّبي صلّى الله عليه وسلّم فقلت: يا رسول الله، إنّ أمي قدمت وهي راغبة، أفأصلها؟ قال:

«نعم صلي أمك» (٤).

وروي من حديث عبد الله بن الزبير قال: قدمت قتيلة بنت عبد العزّى على بنتها أسماء بنت أبي بكر بهدايا، وثياب، وسمن، وأقط، فلم تقبل هداياها، ولم تدخلها منزلها، فسألت عائشة لها النّبي صلّى الله عليه وسلّم عن ذلك، فتلا عليها قول الله عزّ وجلّ: لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الممتحنة: ٦٠/ ٨].


(١) تفسير الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ٤/ ٣٤٨.
(٢) انظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ٨/ ٧٧.
(٣) رواه أحمد في مسنده عن أسماء بنت أبي بكر ٦/ ٣٤٤، وسائر رواته ثقات، على شرط البخاري.
(٤) والحديث برواية الحاكم في المستدرك كتاب التفسير، سورة الممتحنة.

<<  <   >  >>