للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأظهر الأدلة على ذلك ما أخرجه الإمام البخاري أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مات ودرعه مرهونة عند يهودي بصاع من شعير (١).

وقد نهج صاحب كتاب آثار الحرب في الفقه الإسلامي منهجا متفردا في تحرير هذه المسألة، فبعد أن فصل القول في اختيار القائلين بالدفاع والقائلين بالهجوم، انتهى إلى تقرير تفرد المنهج الإسلامي في تحرير طبيعة الجهاد وذلك بقوله:

«أما أن الجهاد: هل هو عمل دفاعي أو هجومي؟ فهذا تقسيم لا ينطبق على نظام الجهاد الإسلامي، لأن الإسلام لا يؤمن بالحروب الحديثة، حروب المطامع البشرية، التي أملت هذا التقسيم، ولا يصح أن يوصف الجهاد بأنه هجومي لأن الهجوم يعني الظلم، والجهاد عدل في الواقع، وقد يكون الجهاد مطلوبا إذا استبدّ الحكام بمصالح رعاياهم، وهنا يظهر المسلمون بأنهم دعاة إصلاح عام، وجند رسالة يبلغونها للناس على بيّنة وهدى، رغم معاندة بعض الظالمين، وقد يلتزم المسلمون جانب الدفاع فقط دون التقيّد بحدود جغرافية مصطنعة، فالإسلام لا تحدّه حدود ... » (٢).

ثم خلص إلى القول: «إن الجهاد الإسلامي من نوع خاص، ليس هجوميا ظالما للعالم، وليس مجرد دفاع عن حدود الوطن والمصالح، فهو بكلمة موجزة: وسيلة في يد ولي الأمر لحماية نشر الدعوة، أو للدفاع عن المسلمين» (٣).

والذي أراه والله أعلم أن منشأ الخلاف هو عدم اتّفاقهم على تحديد معنى الدفاع والهجوم، فالهجوم بمعنى البغي والعدوان لم يقره أحد، قال الله عزّ وجلّ: وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [البقرة: ٢/ ١٩١].

والدفاع بمعنى الانتظار المحض حتى ينال العدو منا، لم يقل به أحد أيضا؛ قال الله عزّ وجلّ: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً [النّساء: ٤/ ٧١].

فليس معنى الدفاع أن تقاتل بترس دون سيف، أو تنتظر غارة العدو حتى يجتاح أرض الوطن، ويهلك الحرث والنّسل، ونحن غارون غافلون، نحسن الظن بالعدو، ونلتمس له المعاذير!


(١) رواه البخاري في كتاب الجهاد باب ٨٩، انظر فتح الباري ١/ ٩٩. ورقم الحديث في البخاري ٢٩١٦.
(٢) آثار الحرب في الفقه الإسلامي للدكتور وهبة الزحيلي ١٢٤.
(٣) المصدر نفسه والصفحة نفسها.

<<  <   >  >>