(أبي عمرو) والكوفيين (عاصم، وحمزة، والكسائي) وإنما البصرة، والكوفة للنحو كالأم والأب، فقد ولد النّحو بالبصرة، وشبّ في الكوفة، ثم هو من بعد مذهب سائر القرّاء كما حقّقه ابن الجزري.
وقد قدّمنا بالأدلة والحجج تواتر الإسناد في أداء هذه الوجوه إلى المعصوم صلّى الله عليه وسلّم، وهو أفصح من نطق بالضاد، وزيادة على ذلك فإن هذا الأداء إنما هو وحي من الله عزّ وجلّ تلقّاه النّبي صلّى الله عليه وسلّم من أمين الوحي جبريل.
والعجب بعدئذ من رجل يحتكم إلى شطر من شعر أعرابي، لا يعرف له اسما، ولا يحفظ عنه إسنادا، ثم هو يرتاب في الأخذ بوجه من الأداء القرآني، أطبق عليه أهل الأداء، وقدموا بين أيديهم إسناده ورجاله، ثم هم أهل الفصاحة واللسان والبيان.
ولا يختلف الكوفيّون في أن القراءات محلّ احتجاج في اللغة، إن ثبتت رواية، ولكن دأب بعض نجاة البصرة على رفض الاستشهاد بالقراءات، ولكني أعتقد أنهم في مثل هذه المسألة لا يخالفون، لإطباق القراء على جواز القراءة بها أولا، ولأنها صيغة أداء، لا وجه نحو، وقد علمت مبلغ ما بذله أئمة القراءة لضبط صيغة الأداء، وهو ما لم يتحصل جزء جزئه لرواة الشعر وغيره إجماعا.
وقد اشتدّ ابن حزم في إنكار مذهب من لم ير الاحتجاج بالقراءات بقوله:«من النّحاة من ينتزع من المقدار الذي يقف عليه من كلام العرب حكما لفظيّا، ويتخذه مذهبا، ثم تعرض له الآية على خلاف ذلك الحكم، فيأخذ في صرف الآية عن وجهها».
وقال في موضع آخر:
«ولا عجب أعجب ممن إن وجد لا مرئ القيس، أو لزهير، أو الحطيئة، أو الطّرماح، أو لأعرابي أسدي، أو سلمي، أو تميمي، أو من سائر أبناء العرب لفظا من شعر، أو نثر جعله في اللغة، وقطع به، ولم يعترض فيه، ثم إذا وجد لله تعالى خالق اللغات وأهلها كلاما لم يلتفت إليه، ولا جعله حجة، وجعل يصرفه عن وجهه، ويحرّفه عن موضعه»(١).