للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فعن مبارك بن فضالة، عن الحسن البصري، قال: «أخبرني الأحنف، أن معاوية كتب إلى علي أن امح هذا الاسم إن أردت أن يكون صلح، فاستشار- وكانت له قبة يأذن لبني هاشم فيها، ويأذن لي معهم- قال: ما ترون فيما كتب به معاوية أن امح هذا الاسم؟ - قال مبارك: يعنى: أمير المؤمنين- قال: برحه الله! فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين وادع أهل مكة كتب: محمد رسول الله، فأبوا ذلك حتى كتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله، فقلتُ له -أي: الأحنف-: أيها الرجل مالك وما لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ إنا والله ما حابيناك ببيعتنا، وإنا لو علمنا أحداً من الناس أحق بهذا الأمر منك لبايعناه، ثم قاتلناك، وإني أقسم بالله لئن محوت هذا الاسم الذي بايعت عليه وقاتلتهم لا يعود إليك أبدا.

قال: وكان والله كما قال، قال: قلَّما وُزن رأيه برأي رجل إلا رجح عليه» (١).

فهنا معاوية صرَّح بما أراده من علي، ولم يكل الأمر إلى عمرو ليحتال ويخادع، ولم يكن مطلب معاوية هنا لأجل نزاعه مع علي على الخلافة -كما سيأتي في: رابعاً-، وإنما لأجل أنه لو أقر له بالخلافة؛ تلزمه الطاعة لولي الأمر، وألا يبرم رأياً ولا ينشئ حرباً دون الرجوع إليه، ومعاوية وأهل الشام بالفعل لم يكونوا بايعوا عليَّاً على الخلافة في هذا الوقت، لذلك طلب معاوية منه نزع هذه الصفة عنه، حتى يستطيع أن يشترط ما شاء في وثيقة الصلح.


(١) إسناده صحيح: أخرجه الطبري في تاريخه (٥/ ٥٣)، والمبارك بن فضالة وإن كان موسوما بالتدليس، كما في التقريب (٦٤٦٤)، إلا أن عنعنته هنا مغتفرة إن شاء الله، فهو ممن لازم الحسن عشر سنين فأكثر، فتدليسه عنه نادر، كما أن تدليس المبارك عن الحسن كان في أقواله هو، دون مروياته، كما رجَّح ذلك الشريف حاتم العوني في ترجمة مطولة للمبارك، في المرسل الخفي وعلاقته بالتدليس (١/ ٣٤٢).

<<  <   >  >>