للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقال معاوية: اللهم اكفنيه بم شئت، ثم قال: على رسلك أيها الرجل، لا تشرفن بأهل الشام، فإني أخاف أن يسبقوني بنفسك حتى أخبر العشية أنك قد بايعت، ثم كن بعد ذلك على ما بدا لك من أمرك.

ثم أرسل إلى ابن الزبير فقال: يا ابن الزبير، إنما أنت ثعلب رواغ كلما خرج من جحر دخل آخر، وإنك عمدت إلى هذين الرجلين فنفخت في مناخرهما، وحملتهما على غير رأيهما، فتكلم ابن الزبير فقال: إن كنت قد مللت الإمارة فاعتزلها، وهلم ابنك فلنبايعه، أرأيت إذا بايعنا ابنك معك لأيكما نسمع؟ لأيكما نطيع؟ لا نجمع البيعة لكما والله أبدا، ثم قام.

فراح معاوية فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إنا وجدنا أحاديث الناس ذوات عوار، زعموا أن ابن عمر وابن الزبير وابن أبي بكر الصديق لم يبايعوا يزيد، قد سمعوا وأطاعوا وبايعوا له، فقال أهل الشام: لا والله لا نرضى حتى يبايعوا على رؤوس الناس وإلا ضربنا أعناقهم، فقال: مه، سبحان الله، ما أسرع الناس إلى قريش بالسوء، لا أسمع هذه المقالة من أحد بعد اليوم، ثم نزل، فقال الناس: بايع ابن عمر وابن الزبير وابن أبي بكر، ويقولون: لا والله ما بايعنا، ويقول الناس: بلى لقد بايعتم، وارتحل معاوية فلحق بالشام» (١).

وفي رواية: «فقام معاوية حين أبوا عليه؛ فقال: ألا إن حديث الناس ذات غور، وقد كان بلغني عن هؤلاء الرهط أحاديث وجدتها كذبا، وقد سمعوا وأطاعوا ودخلوا في صلح ما دخلت فيه الأمة» (٢).


(١) في إسناده مقال: أخرجه خليفة بن خياط في تاريخه (ص: ٢١٣)، وفي سنده النعمان بن راشد، تقدَّم أنه صدوق سيء الحفظ.
(٢) إسناده صحيح: أخرجه أبو نعيم في الحلية (١/ ٣٣٠ - ٣٣١).
ولم يعش عبد الرحمن بن أبي بكر بعد ذلك إلا يسيرا، ثم وافته منيته، فقد قال محمد بن القاسم بن أبي بكر -في نفس الرواية عند البخاري في التاريخ الصغير-: "فلم يلبث ابن أبي بكر إلا يسيرا حتى توفي، بعدما خرج معاوية من المدينة".

<<  <   >  >>