للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فعن قيس بن أبي حازم قال: «دخلنا على معاوية في مرضه الذي مات فيه، وكأن ذراعيه سعفتان (١) محترقتان، فقال: إنكم تقلبون غدا فتى حُوَّلا قُلَّبا (٢). وأيُّ فتى أهلِ بيتٍ إن نجا غدا من النار؟» (٣).

وعن عبد الملك بن عمير قال: «دخل عمرو بن سعيد على معاوية في مرضه، فقال: والله يا أمير المؤمنين لقد انخرط (٤) أنفك، وذبلت شفتاك، وتغير لونك، وما رأيت أحدا من أهل بيتك في مثل حالك إلا ما ترى! فقال معاوية:

فإن الموت لم يَخْلُق جديدا (٥) ... ولا هَضْبا (٦) تُوَقِّلُه (٧) الوِبَارُ (٨)

ولكن كالشهاب يضي ويخبو ..... وحادي الموت عنه ما يُحار

فهل من خالد إما هلكنا ... وهل بالموت يا للناسِ عار» (٩).


(١) السَّعف: ورق النخل اليابس.
(٢) رجل حُوَّل قُلَّب: محتال بصير بتقليب الأمور.
(٣) إسناد لا بأس به: أخرجه ابن أبي الدنيا في المحتضرين (٥٥)، وفي سنده النضر بن إسماعيل، قال عنه الإمام أحمد -كما في ترجمته في تهذيب الكمال (٢٩/ ٣٧٤) -: "قد كتبنا عَنْه، ليس بقوي، يعتبر بحديثه، ولكن ما كَانَ من رقائق".
وقد أخرجه ابن أبي الدنيا في المحتضرين (٥٤) من طريق آخر، بلفظ: "أخرج معاوية ذراعيه كأنهما عسيبا نخل، ثم قال: ما الدنيا إلا ما ذقنا وجربنا، والله لوددت أني لم أغبر فيكم ثلاثا حتى ألحق بالله، قالوا: يا أمير المؤمنين! إلى رحمة الله وإلى رضوانه، قال: إلى ما شاء الله، قد علم الله أني لم آل، وما أنا إن يُغَيِّر غَيَّر".
(٤) انخرط: نَحُف.
(٥) في تاريخ دمشق (٥٩/ ٢٢١): "فإن المرء لم يُخلق حديدا".
(٦) الهضْب: جمع هضبة، وهضب الرجل هضبا: مشى مشية البليد من الدواب.
(٧) توقّل في الجبل: صعَّد فيه.
(٨) الوبار: جمع وبْر، وهو حيوان في حجم الأرنب، قصير الذنب، يحرك فكه السفلي كأنه يجتر.
(٩) إسناده صحيح إلى عبد الملك: أخرجه ابن أبي الدنيا في المحتضرين (٦٠).

<<  <   >  >>