للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا الحديث وإن كان قد تُكلِّم فيه (١)، إلا أن الراجح -والله أعلم- صحته، وقد صحَّحه جمعٌ من العلماء؛ منهم: الترمذي (٢)، والجورقاني (٣)، والذهبي (٤)، وابن كثير (٥)، والألباني (٦).

- ومن مناقبه الخاصَّة أيضاً: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - اختاره ليكون أحد كتبة الوحي، وقد تقدَّم تفصيل ذلك وأدلته في الفصل الأول.

- ومن مناقبه: أنه خال المؤمنين، وصهر رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم -:

قال أبو يعلى: «ويُسمَّى إخوة أزواج النبي: - صلى الله عليه وسلم - أخوال المؤمنين، ولسنا نريد أنهم أخوال بالحقيقة كأخوال الأمهات من النسب، وإنما نريد أنهم في حكم الأخوال في بعض الأحكام؛ وهو: التعظيم لهم» (٧).


(١) وممن تصدَّى للردِّ عن الطعون في هذا الحديث: الشيخ الألباني في سلسلته الصحيحة (٤/ ٦١٥ - ٦١٨)، والشيخ سعد السبيعي في كتابه سلِّ السنان (ص: ٢٠٨ - ٢١٦)، فانظره هناك فإنه قد أجاد وأفاد.
(٢) فقد أخرج الحديث في جامعه، وقال عقبه: "هذا حديثٌ حسنٌ غريب".
(٣) قال عنه في الأباطيل والمناكير (١/ ٢٤٢ - ٢٤٣): "هذا حديثً حسن".
(٤) قال عن سنده في تلخيص العلل المتناهية (ص: ٩٣): "وهذا سند قويّ".
(٥) أورد له طرقا في البداية والنهاية (١١/ ٤٠٦ - ٤٠٩)، ثم ختمها بطريق منقطع وقال: "وهذا منقطع يقويه ما قبله".
وقال مثنيا على تتبع ابن عساكر لطرقه: "وقد اعتنى ابن عساكر بهذا الحديث، وأطنب فيه وأطيب وأطرب، وأفاد وأجاد، وأحسن الانتقاد، فرحمه الله، كم له من موطن قد برز فيه على غيره من الحفاظ والنقاد".
(٦) أورد الحديث في السلسة الصحيحة (٤/ ٦١٨)، وقال عقب تخريجه وذكر طرقه: "وبالجملة فالحديث صحيح، وهذه الطرق تزيده قوة على قوة".
(٧) تنزيه خال المؤمنين معاوية بن أبي سفيان من الظلم والفسق في مطالبته بدم أمير المؤمنين عثمان (ص: ١٠٦).

وجديرٌ بالذكر هنا أن العلماء اختلفوا في هذه المسألة أعني: إطلاق خال المؤمنين على إخوة أمهات المؤمنين، بين مانع ومجيز.
قال ابن تيمية في منهاج السنة النبوية (٤/ ٣٦٩ - ٣٧٠): "ولما كُنَّ -أي: زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - بمنزلة الأمهات في حكم التحريم دون المحرمية؛ تنازع العلماء في إخوتهن: هل يقال لأحدهم خال المؤمنين؟ فقيل: يقال لأحدهم خال المؤمنين، وعلى هذا فهذا الحكم لا يختص بمعاوية، بل يدخل في ذلك عبد الرحمن ومحمد ولدا أبي بكر، وعبد الله وعبيد الله وعاصم أولاد عمر، ويدخل في ذلك عمرو بن الحارث بن أبي ضرار أخو جويرية بنت الحارث، ويدخل في ذلك عتبة بن أبي سفيان ويزيد بن أبي سفيان أخوا معاوية.
ومن علماء السنة من قال: لا يطلق على إخوة الأزواج أنهم أخوال المؤمنين; فإنه لو أطلق ذلك لأطلق على أخواتهن أنهن خالات المؤمنين. ولو كانوا أخوالا وخالات لحرُم على المؤمنين أن يتزوج أحدهم خالته، وحرم على المرأة أن تتزوج خالها.
وقد ثبت بالنص والإجماع أنه يجوز للمؤمنين والمؤمنات أن يتزوجوا أخواتهن وإخوتهن، كما تزوج العباس أم الفضل أخت ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين، وولد له منها عبد الله والفضل وغيرهما، وكما تزوج عبد الله بن عمر وعبيد الله ومعاوية وعبد الرحمن بن أبي بكر ومحمد بن أبي بكر من تزوجوهن من المؤمنات. ولو كانوا أخوالا لهن لما جاز للمرأة أن تتزوج خالها.
قالوا: وكذلك لا يطلق على أمهاتهن أنهن جدات المؤمنين، ولا على آبائهن أنهم أجداد المؤمنين، لأنه لم يثبت في حق الأمهات جميع أحكام النسب، وإنما ثبت الحرمة والتحريم. وأحكام النسب تتبعض، كما يثبت بالرضاع التحريم والمحرمية، ولا يثبت بها سائر أحكام النسب، وهذا كله متفق عليه.
والذين أطلقوا على الواحد من أولئك أنه خال المؤمنين لم ينازعوا في هذه الأحكام، ولكن قصدوا بذلك الإطلاق أن لأحدهم مصاهرة مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، واشتهر ذكرهم لذلك عن معاوية - رضي الله عنه -، كما اشتهر أنه كاتب الوحي، وقد كتب الوحي غيره، وأنه رديف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد أردف غيره.
فهم لا يذكرون ما يذكرون من ذلك لاختصاصه به، بل يذكرون ما له من الاتصال بالنبي - صلى الله عليه وسلم - كما يذكرون في فضائل غيره ما ليس من خصائصه".
وقال الشيخ بكر أبو زيد في معجم المناهي اللفظية (ص: ٢٤٠): في إطلاق ذلك على إخوان زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - قولان للعلماء: المنع، والجواز، وحكاهما الكرماني في شرح البخاري، ولم يرجح".
وانظر: تنزيه خال المؤمنين معاوي لأبي يعلى الفراء (ص: ١٠٦ - ١١٠)، تهذيب الأسماء واللغات للنووي (١/ ٤١)، المنتقى من منهاج الاعتدال للذهبي (ص: ٢٤٥).

<<  <   >  >>