للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فعن محمد بن سيرين، قال: «خطب زياد يوما في الجمعة، فأطال الخطبة وأخَّر الصلاة، فقال له حجر بن عدي: الصلاة! فمضى في خطبته، ثم قال: الصلاة! فمضى في خطبته، فلما خشي حجر فوت الصلاة ضرب بيده إلى كف من الحصا، وثار إلى الصلاة وثار الناس معه، فلما رأى ذلك زياد نزل فصلى بالناس، فلما فرغ من صلاته كتب إلى معاوية في أمره، وكثر عليه (١).

فكتب إليه معاوية أن شده في الحديد، ثم احمله إليَّ، فلما أن جاء كتاب معاوية أراد قوم حجر أن يمنعوه، فقال: لا، ولكن سمع وطاعة، فشد في الحديد، ثم حمل إلى معاوية، فلما دخل عليه قال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، فقال له معاوية: أمير المؤمنين! أما والله لا أقيلك ولا أستقيلك، أخرجوه فاضربوا عنقه» (٢).

هذه الرواية بيَّنت سبب مقتل حجر، وأنه أظهر اعتراضا على زياد، ويبدو أنه لم تكن هذه المرة فقط، فلا يُتصوَّر أن يكتب زياد إلى معاوية، ويأمر بإرساله في الحديد، لموقف عابر، أو اعتراض قولي ظهر منه.

ولنا في خبر المسور بن مخرمة مع معاوية دلالة على ذلك، فقد تقدَّم أنه كان يطعن على معاوية والأئمة، ومع ذلك فمعاوية لم يتعرض له، وهو ما يؤكد لنا أن حُجرا لا بد أن يكون صدر منه ما فوق ذلك، لكن كثير من الروايات التي تتحدث عن أفعال حجر لا يستقيم إسنادها، ولذا لم أوردها.

كما أن هذه الرواية لا تذكر تفاصيل ما وقع بين معاوية وحجر عند قدومه عليه، لكن ذكرت رواية أخرى كيف أن معاوية تأنَّى في ذلك، واستشار الناس، وهو ما يتناسب مع عقل وحلم معاوية.


(١) قال الحافظ ابن حجر في لسان الميزان (٣/ ٥٣١): "وهو -أي: ابن زياد- الذي سعى في قتل حجر بن عَدِي ومن معه، وكلام كل من وقفت على كلامه من أهل العلم مصرح بأن زيادا تحامل عليه".
(٢) إسناده حسن إلى ابن سيرين: أخرجه الطبري في تاريخه (٥/ ٢٥٦ - ٢٥٧)، وفي سنده مخلد بن الحسن، لا بأس به، كما في التقريب (٦٥٢٨).

<<  <   >  >>