شَرط أَنه مَا يُرِيد من حلب إِلَّا الْحجر فَقَط وَأذن لعماد الدّين فِي أَخذ جَمِيع مَا فِي القلعة وَمَا يُمكنهُ حمله فَلم يتْرك عماد الدّين فِيهَا شَيْئا وَبَاعَ فِي السُّوق كل مَا لم يتَمَكَّن من حمله وَأطلق لَهُ السُّلْطَان بغالا وجمالا وخيلا برسم حمل مَا يحْتَاج إِلَى حمله وَعمل لَهُ يَوْم الْأَحَد تَاسِع عشر صفر دَعْوَة عَظِيمَة فِي الميدان الْأَخْضَر وأحضرها جَمِيع الْأُمَرَاء ومقدمي حلب
قَالَ وبينما السُّلْطَان على لذته بالدعوة وَالْأَخْذ وَالعطَاء والإنعام والحباء إِذْ حضر إِلَيْهِ من عَرَفَة وَفَاة أَخِيه تَاج الْمُلُوك بِسَبَب الضَّرْبَة الَّتِي أَصَابَته على حلب فَلم يتَغَيَّر لذَلِك وَلَا اضْطِرَاب وَلَا انْقَطع عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ من البشاشة والفرح وبذل الْإِحْسَان وَأمر بستر ذَلِك وتوعد عَلَيْهِ إِن ظهر وكظم حزنه وأخفى رزيته وصبر على مصيبته وَلم يزل على طلاقته وبشاشته إِلَى وَقت الْعَصْر وَفِي ذَلِك الْوَقْت انْقَضتْ الدعْوَة وتفرق النَّاس فَحِينَئِذٍ قَامَ رَحمَه الله واسترجع وَبكى على أَخِيه ثمَّ أَمر بِهِ فَغسل وكفن وَصلى عَلَيْهِ وَأمر بِهِ فَدفن فِي مقَام إِبْرَاهِيم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِظَاهِر حلب ثمَّ حمله بعد ذَلِك إِلَى دمشق وَدَفنه بهَا
قَالَ وَكَانَ تَاج الْمُلُوك شَابًّا حسن الشَّبَاب مليح الأعطاف عذب الْعبارَة حُلْو الفكاهة مليح الرَّمْي بِالْقَوْسِ والطعن بِالرُّمْحِ وَكَانَ شجاعا باسلا مقداما على الْأَهْوَال وَكَانَ قد جمع إِلَى ذَلِك الْكَرم والتفنن فِي الْأَدَب وَله ديوَان شعر حسن متوسط فَمِنْهُ
(يَا هَذِه وأماني النَّفس قربكم ... يَا ليتها بلغت مِنْكُم أمانيها)
(إِن كَانَت الْعين مذ فارقتكم نظرت ... إِلَى سواكم فخانتني أماقيها)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute