وَوصل فِي أثْنَاء ذَلِك الْيَوْم خَمْسَة وَأَرْبَعُونَ أَسِيرًا من الفرنج أخذُوا فِي بيروت فيهم شيخ كَبِير هرم لم يبْق فِي فَمه ضرس وَلم يبْق فِيهِ قُوَّة إِلَّا مِقْدَار مَا يَتَحَرَّك فَسَأَلَهُ عَن مَجِيئه فَقَالَ لِلْحَجِّ إِلَى قمامة وبيني وَبَين بلادي مسيرَة أشهر فرق لَهُ وَأطْلقهُ وَأَعَادَهُ إِلَى الْعَدو رَاكِبًا على فرس وَطلب أَوْلَاده الصغار أَن يَأْذَن لَهُم فِي قتل أَسِير فَلم يَأْذَن وَسُئِلَ عَن ذَلِك فَقَالَ لِئَلَّا يعتادوا من الصغر سفك الدَّم ويهون عَلَيْهِم وهم الْآن لَا يفرقون بَين الْمُسلم وَالْكَافِر
ثمَّ لما أقبل الرّبيع توافت العساكر وَفَاء بموعدها فوصلت فِي شهر ربيع الأول فَأول من قدم الْأَمِير علم الدّين سُلَيْمَان بن جندر صَاحب قلعتي عزاز وبغراس وَهُوَ شيخ لَهُ رَأْي وتجربة ومنزلة كَبِيرَة ومرتبة وَالْملك الأمجد صَاحب بعلبك وَبدر الدّين مودود وَالِي دمشق فِي رِجَالهمْ وأبطالهم وَفِي كل يَوْم يقدم أَمِير بعد أَمِير وَالله يتَوَلَّى التَّدْبِير
وَكَانَ قد شاع الْخَبَر بِأَن مُلُوك الفرنج واصلون وهم حاشدون حافلون فوصل ملك إفرنسيس فيليب فِي عدَّة من عَبدة الصَّلِيب ثَانِي عشر ربيع الأول فِي سِتّ بطس عِظَام مَمْلُوءَة بفوارس ذَوي إقدام فَقُلْنَا مَا أحمل المَاء لأهل النَّار وَمَا أجلبه للدوائر إِلَى الديار وَكَانَ عَظِيما عِنْدهم من كبار مُلُوكهمْ ينقادون لَهُ بِحَيْثُ إِذا حضر حكم على الْجَمِيع وَمَا زَالُوا يتواعدونا بِهِ حَتَّى قدم وَصَحبه من بِلَاده باز عَظِيم عِنْده هائل الْخلق أَبيض اللَّوْن نَادِر