وعمر بما رأيا، ولم ير العباس وعلي ذلك. ولكن لما حكما سلما لحكمهما كما يسلم لحكم القاضي في المختلف فيه. وأما المحكوم عليه فرأى أنه قد وهم، ولكن سكت وسلم.
فإن قيل: إنما يكون ذلك في أول الحال- والأمر لم يظهر- إذاكان الحكم باجتهاد، وأنماكان هذا الحكم على منع فاطمة والعباس الميارث بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم:" لا نورث ما تركناه صدقة" وعلمه أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه العشرة وشهدوا به، فبطل ما قلتموه.
قلنا: يحتمل أن يكون ذلك في أول الحال- والأمر لم يظهر بعد- فرأيا أن خبر الواحد في معارض القرآن والأصول والحكم المشهور في الزمن لا يعمل به حتى يتقرر الأمر، فلما تقرر سلما وانقادا، بدليل ما قدمنا من الحديث الصحيح إلى آخره، فلينظر فيه. وهذا ايضا ليس بنص في المسألة، لأن قوله "لا نورث، ما تركنا صدقة" يحتمل أن يكون: لا يصح ميراثنا، ولا أنا أهل له، لأنه ليس لي ملك، ولا تلبست بشيء من الدنيا ينتقل إلى غيري عني. ويحتمل"لا نورث"
حكم، وقوله" ما تركنا صدقة" حكم آخر معين أبر به أنه قد أنفذ الصدقة فيما كان بيده من سهمه المتصير إليه بتسويع الله له، وكان من ذلك مخوصاص بما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، وكان له سهمه مع المسلمين فيما غنموه بما أخذوه عنوة. ويحتمل ان يكون صدقة منصوبا على أن يكون حالا من المتروك. وإلى هذا أشار أصحاب أبي حنيفة، وهو ضعيف وقد بيناه في موضعه. بيد أنه يأتيك من هذا أن المسألة مجرى الخلاف، ومحل الاجتهاد٣٨٠، وأنها ليست بنص من النبي صلى الله عليه وآله وسلم فتحتمل التصويب والتخطئة من المجتهدين. والله أعلم.
***
٣٨٠ ولعل فاطمة وعليا والعباس رضي الله عنهم أخذوا بهذا الاجتهاد، فهم مأجورون على كل حال. ولاشك أن عليا إذا كان أخذ به، فقد رجع عنه مادام لم ينفذه في خلافته. م.