للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وانظروا إلى ابن عمر وسنه وتسليمه للدنيا ونبذه لها. ولو كان للقيام وجه لكان أولى بذلك ابن عباس، فإنه ولدي أخيه عبيد الله قد ذكر أنهما قتلا ظلما٤٥٧. ولكن رأى بعقله أن دم عثمان لم يخلص إليه، فكيف بدم ولدي عبيد الله! وأن الأمر راهق٤٥٨، قد خرجا عنه حفظا للأصل وهو اجتماع أمر الأمة وحقن دمائها وائتلاف كلمتها، ودع الأمر يتولاه أسود مجدع حسبما أمر به صاحب الشرع صلوات الله عليه وسلامه٤٥٩. وكل منهم عظيم القدر مجتهد وفيما دخل فيه مصيب مأجور، ولله فيهم حكم في الدنيا قد أنفذه، وحكم في الآخرة قد أحكمه وفرغ منه. فاقدروا هذه الأمور مقاديرها، وانظروا بما قابلها ابن عباس وابن عمر فقابلوها، ولا تكونوا من السفهاء الذين يرسلون ألسنتهم وأقلامهم بما لا فائدة لهم فيه، ولا يغني من الله ولا من دنياهم شيئا عنهم.

وانظروا إلى الأئمة الأخيار وفقهاء الأمصار، هل أقبلوا على هذه الخرافات وتكلموا في مثل هذه الحماقات؟ بل علموا أنها عصبيات جاهلية، وحمية باطلة، لا تفيد إلا قطع الحبل بين الخلق وتشتيت الشمل واختلاف الأهواء- وقد كان ما كان، وقال الأخباريون ما قالوا- فإما سكوت، وإما اقتداء بأهل العلم، وطرح لسخافات المؤرخيون والأدباء. والله يكمل علينا وعليكم النعماء برحمته.


٤٥٧ كان ذلك سنة ٤٠ في اليمن آخر ولاية عبيد الله بن عباس عليها لعلي، فارسل معاوية إلى الحجاز واليمن بسر بن أبي ارطأة فأخذ له البيعة على أهل الحجاز، ثم توجه بسر إلى اليمن فلما علم عبيد الله بمجيئه هرب غلى الكوفة وترك ابنيه في اليمن فقتلهما بسر فيما يقال. خ.
٤٥٨ أي تداخل حقه في باطله. خ.
٤٥٩ في كتاب الإمارة من صحيح مسلم من حديث أبي ذر ك٣٣ ح٣٦ ج٦ ص١٤.خ.

<<  <   >  >>