للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تاريخ الإسلام نظرةخاطئة، واتخذوا له في أذهانهم صورة غير صورته التي كانت له في الواقع، ولكني أعترف -ولا فائدة من الإنكار- بأن في المنسوبين إلى الاسلام من يبغض حتى الخليفة الأول لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, ويقلب جميع حسناته سيئات، وأن أحد الذين شاهدوا بأعينهم عدل عمر، وزهده في متع الدنيا، وإنصافه لجميع الناس، لم يتسطع أن يمنع الحقد الذي في فؤاده على الإسلام أن يدفعه إلى طعنه بالسكين دون أن يسيء إليه، وفي قوم طاعن١ عمر بالسكين من يؤلفون المؤلفات إلى يومنا هذا في تشويه حسنات هذا المثل الأعلى للعدل والإنسانية والخير, وفي عصر عثمان* من ضاقت صدورهم بطيبة ذلك الخليفة الذي خلق قلبه من رحمة الله، فاخترعوا له ذنوبًا، وما زالوا يكررونها على قلوبهم حتى صدقوها، وتفننوا في إذاعتها، ثم استحلوا سفك دمه الحرام، في الشهر الحرام، بجور قبر أبي زوجتيه محمد عليه الصلاة والسلام، وما برحت الإنسانية تشاهد المعجزات من رجالات الإسلام في نشره, وإدخال الأمم فيه, وتوسيع النطاق في الآفاق لكلمة: "الله أكبر ... حي على الفلاح", حتى نودي بها على جبال السند، في ربوع الهند، وعلى سواحل المحيط غربًا، وفي أودية أوربا وجبالها، بما لم يملك أن يصفه حتى أعداء الإسلام إلا بأنه معجزة، كل هذا في زمن هذه الدولة الأموية التي لو صدر عن المجوس، وعبدة الأوثان، عشر ما صدر عنها من الخير، وجزء من مائة جزء مما أثر عن رجالها من أنصاف ومروءة وكرم وشجاعة وإيثار وفصاحة ونبل، لرفعوا لأولئك المجوس والوثنيين ألوية الثناء والتقدير في الخافقين، والتاريخ الصادق لا يريد من أحد أن يرفع لأحد لواء الثناء والتقدير، لكنه يريد من كل من يتحدث عن رجاله أن يذكر لهم حسناتهم على قدرها، وأن


١ يحتفل بعض الزنادقة من كل عام في اليوم الذي استشهد فيه الخليفة عمر على يد المجوسي أبي لؤلؤة الذي يعطونه لقب: "بابا شجاع", فيا للخيانة الشنيعة والحقد الدفين. م.
* إن عصر عثمان رضي الله عنه هو من أسعد وأعظم العصور الإسلامية برخائه وفتوحاته العظيمة, وقد حاول تشويهه أناس لا دين لهم, وأوضحنا ذلك في الصفحات المقبلة.

<<  <   >  >>