للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= تعالى في حق القرآن: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} فالآية صريحة في أن الاختلاف ليس من الله، فكيف يصح إذن جعله شريعة متبعة، ورحمة منزلة؟
وبسبب هذا الحديث ونحوه ظل أكثر المسلمين بعد الأئمة الأربعة إلى اليوم مختلفين في كثير من المسائل الاعتقادية والعملية، ولو أنهم كانوا يرون أن الخلاف شر كما قال ابن مسعود وغيره رضي الله عنهم ودلت على ذلك الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الكثيرة لسعوا إلى الاتفاق، ولأمكنهم ذلك في أكثر هذه المسائل بما نصب الله تعالى عليها من الأدلة التي يعرف بها الصواب من الخطأ، والحق من الباطل، ثم عذر بعضهم بعضًا فيما قد يختلفون فيه، ولكن لماذا هذا السعي وهم يرون أن الاختلاف رحمة، وأن المذاهب على اختلافها كشرائع متعددة.
وإن شئت أن ترى أثر هذا الاختلاف والإصرار عليه، فانظر إلى كثير من المساجد، تجد فيها أربعة محاريب يصلي فيها أربعة من الأئمة، ولكل منهم جماعة ينتظرون الصلاة معه كأنهم أصحاب أديان مختلفة، وكيف لا، وعالمهم يقول: إن مذاهبهم كشرائع متعددة، يفعلون ذلك وهم يعلمون قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة" رواه مسلم وغيره، ولكنهم يستجيزون مخالفة هذا الحديث وغيره محافظة منهم على المذهب، كأن المذهب محترم عندهم ومحفوظ أكثر من أحاديثه عليه الصلاة والسلام.
وجملة القول أن الاختلاف مذموم في الشريعة، فالواجب محاولة التخلص منه ما أمكن؛ لأنه من أسباب ضعف الأمة كما قال تعالى: {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} ، أما الرضا به وتسميته رحمة، فخلاف للآيات الكريمة المصرحة بذمه، ولا مستند إلا هذا الحديث الذي لا أصل له عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وهنا وقد يرد سؤال وهو:
إن الصحابة قد اختلفوا وأفاضل الناس، أفيلحقهم الذم المذكور؟
وقد أجاب عنه ابن حزم رحمه الله تعالى، فقال: ٦٧/٥-٦٨:
كلا، ما يلحق أولئك شيء من هذا؛ لأن كل امرئ منهم تحرى سبيل الله، ووجهته الحق، فالمخطيء منهم مأجور أجرًا واحدًا؛ لنيته الجميلة في إرادة الخير، وقد رفع عنهم الإثم في خطأهم لأنهم لم يستعمدوه ولا قصدوه ولا استهانوا بطلبهم، والمصيب منهم مأجور أجرين، وهكذا كل مسلم إلى يوم القيامة فيما خفى عليه من الدين ولم يبلغه، وإنما الذم المذكور والوعيد المنصوص، لمن ترك التعلق بحبل الله تعالى وهو القرآن وكلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد بلوغ النص إليه وقيام الحجة به عليه، وتعلق بفلان وفلان =

<<  <   >  >>