فأتيت لريّ وطلبت سعيدًا، فأتيته وعرضت عليه القصة، وسألته عن معنى الخبر، فقال: أنا كديدان الخلّ في الخلّ منذ سمعت هذا الحديث، وإني خائف عليك وعلى نفسي من هذه الخصال، ولقد قاسيتُ وعانيتُ سفرًا طويلًا وبلايا، فعليك بالحسن البصري فإني أرجو أن تجد عنده لي ولك وللمسلمين فرجًا، فأتيت البصرة، وطلبت الحسن ﵀، وقصصت عليه القصة بطولها، فقال: رحم الله شهرًا وسعيدًا؛ بلغهما نصف الخبر، ولم يبلغهما النصف الآخر، إن رسول الله ﷺ لما قال هذا الخبر شغل قلوب صحابته مليًّا، وهابوه أن يسألوه، فأتوا فاطمة ﵂، وذكروا لها شغل قلوبهم بالخبر، فأتت فاطمة ﵂ رسول الله ﷺ فأخبرته بشغل قلوب أصحابه، فأمر سلمان ﵁ فنادى: الصلاة جامعة، فلما اجتمعوا صعد المنبر، وقال:"يا أيها الناس، أما إني كنتُ قلت لكم: ثلاث من كن فيه فهو منافق: إذا حدَّث كذب، وإذا اؤتمن خان، وإذا وعد أخلف، ما عنيتُكم بهن؛ أنما عَنَيتُ المنافقين، أما قولي: إذا حدَّث كذب فإن المنافقين أتوني وقالوا لي: والله إن إيماننا كإيمانك؛ وتصديق قلوبنا كتصديق قلبك؛ فأنزل الله تعالى: ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾ [المنافقون: ١]، وأما قولي: إذا اؤتمن خان فإن الأمانة الصلاة؛ والدين كله أمانة؛ قال الله ﷿: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [النساء: ١٤٢]، وفيهم قال: ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (٤) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (٥) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ﴾ [الماعون: ٤ - ٦] وأما قولي: إذا وعد أخلف؛ فإن ثعلبة بن مالك أتاني فقال: إني مولع بالسائمة، ولي غُنيمات، فادع الله تعالى أن يبارك فيهن، فدعوتُ الله، فنمتُ وزادت حتى ضاقت الفجاج بها، فسألته الصدقات، فأبى عليَّ وبخل بها، فأنزل الله تعالى فيه: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ﴾ إلى قوله ﴿فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ﴾ ". فسُرِّي عن أصحاب رسول الله ﷺ وكبَّروا وتصدَّقوا بمال عظيم (١).