للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اصطلاحهم أوهَمَت الغِرَّ ما يوهم (١) السَّرابُ للعطشان= ازداد إيمانًا وعلمًا بما جاء به الكتاب والسنة. فإن الضدَّ يُظْهر حُسْنَه الضدُّ. وكلُّ من كان بالباطل أعلم كان للحق أشدَّ تعظيمًا وبقدره أعْرَف (٢).

فأما المتوسِّط من المتكلّمين فيُخاف عليه ما لا يُخاف على من لم يدخل فيه، وعلى من قد أنهاه نهايته. فإنَّ من لم يدخل فيه هو في عافية، ومن أنهاه فقد عرف الغاية، فما بقي يخاف (٣) من شيء آخر. فإذا ظهر له الحقّ وهو عطشان إليه قَبِلَه. وأمّا المتوسِّط فمتوهِّم بما تلقَّاه (٤) من المقالات المأخوذة، تقليدًا لمعظَّمِه وتهويلًا.

وقد قال الناس: أكثر ما يفسدُ الدنيا: نصفُ متكلِّم، ونصف متفقِّه، ونصف متطبِّب، ونصف نحوي. هذا يفسد الأديان، وهذا يفسد البلدان، وهذا يفسد الأبدان، وهذا يفسد اللسان.

ومن علم أن المتكلمين من المتفلسفة (٥) وغيرهم ــ في الغالب ــ في قولٍ مختلف (٦)، يؤفَكُ عنه من أُفِك، يعلم الذكيُّ منهم العاقلُ أنه ليس هو فيما يقوله على بصيرة، وأن حُجَّته ليست بيّنة، وإنما هي كما قيل فيها:


(١) (ف، ك، خ، ط): «يوهمه».
(٢) بعده في (ط ــ الفتاوى): «إذا هُدي إليه».
(٣) (ف، ك): «يخاف عليه».
(٤) (ق، ف، ك، خ): «يلقاه». و (ط): «يتلقاه».
(٥) (ب، ق): «المتفلسفين».
(٦) (ب، ق، ف): «مؤتفك».

<<  <  ج: ص:  >  >>