للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قومًا بورًا.

ونزلت فتنةٌ تركت الحليمَ (١) فيها حيران، وأنزلت الرجلَ الصاحي منزلةَ السَّكْران، وتركت الرجلَ اللبيبَ لكثرة الوَسْواس ليس بالنائم ولا اليقظان، وتناكرت فيها قلوب المعارف والإخوان، وبقي (٢) للرجل بنفسه شُغل عن أن يُغيث اللهفان.

ومَيَّز الله فيها أهلَ البصائر والإيقان، مِنَ الذين في قلوبهم مرض أو نفاق وضعف إيمان. ورفع بها أقوامًا إلى الدرجات العالية، كما خفض بها أقوامًا إلى المنازل الهاوية، وكفَّر بها عن آخرين أعمالَهُم الخاطئة. وحَدَث من أنواع البلوى ما جعلها قيامةً مُختصرةً (٣) من القيامة الكبرى، فإنَّ الناسَ تفرَّقوا فيها ما بين شقيٍّ وسعيد (٤)، كما يتفرقون كذلك في اليوم الموعود. وفرَّ الرجلُ فيها من (٥) أخيه وأمّه وأبيه؛ إذ كان لكلّ امرئ منهم (٦) شأنٌ يغنيه، وكان من الناس من أقصى همته النجاةُ بنفسه، لا يَلْوي على ماله ولا ولده ولا غرسه (٧)، كما أنَّ فيهم (٨) من فيه قوة على تخليص الأهل والمال، وآخرُ فيه


(١) (ق): «الحكيم».
(٢) (ق، ف، ك): «حتى بقي».
(٣) (ك): «محتضرة».
(٤) في هامش الأصل: في نسخة «ومسعود» صح.
(٥) (ق، ف، ك): «عن».
(٦) (ق): «لكل منهم». (ف): «منهم يومئذٍ».
(٧) (ك): «عرسه».
(٨) (ق، ف): «منهم».

<<  <  ج: ص:  >  >>