للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الموت كالفرار من الطاعون، ولذلك (١) قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : «إذا وقع بأرضٍ وأنتم بها فلا تخرجوا فرارًا منه» (٢). والفرارُ من القتل كالفرار من الجهاد.

وحرف «لن» ينفي الفعل في الزمن المستقبل، والفعلُ نكرة، والنكرةُ في سياق النفي تعمُّ جميع أفرادها، فاقتضى ذلك: أنّ الفرار من الموت أو القتل ليس فيه منفعة (٣) أبدًا. وهذا خبر الله الصادق، فمن اعتقد أنّ ذلك منفعة فقد كذَّبَ الله في خبره.

* والتَّجربة تدلُّ على مثل ما دلّ عليه القرآن، فإنَّ هؤلاء الذين فرُّوا في هذا العام لم ينفعهم فرارُهم، بل خسروا الدِّين والدنيا، وتفاوتوا في المصائب. والمرابطون الثابتون نفعهم ذلك في الدِّين والدنيا، حتَّى الموت الذي فرُّوا منه كَثُرَ فيهم، وقلَّ في المقيمين، فمات مع الهرب مَن شاء الله. والطالبون للعدوِّ والمعاقبون لهم لم يمت منهم أحد ولا قُتِل، قلَّ الموتُ جدًّا في البلد (٤) من حين خرج الفارُّون (٥). وهكذا سُنَّة الله قديمًا وحديثًا.

ثم قال تعالى: {وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا}، يقول: لو كان الفرار ينفعكم لم ينفعكم إلا حياةً قليلة ثم تموتون، فإنّ الموت لا بُدَّ منه.

وقد حُكِيَ عن بعض الحمقى أنَّه قال: فنحن نريد ذلك القليل!


(١) (ف، ق): «وكذلك».
(٢) أخرجه البخاري (٥٧٢٩)، ومسلم (٢٢١٩) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(٣) في هامش (ك): نسخة «ينفعه».
(٤) (ك): «بل الموت قل في البلد»، و (ف): «بل الموت جدًّا بالبلد».
(٥) الأصل: «الغازون» خطأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>