للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا جهلٌ منه بمعنى الآية، فإنّ الله لم يقل: إنّهم يُمتَّعون بالفرار قليلًا، لكن (١) ذكر أنه لا منفعة فيه أبدًا.

ثم ذكر جوابًا ثانيًا: أنه لو كان ينفع لم يكن فيه إلا متاع قليل (٢).

ثم إنّه ذكر جوابًا ثالثًا: وهو أنّ الفارَّ يأتيه ما قُضِي له من المضرَّة، ويأتي الثابت ما قُضِي له من المسرَّة، فقال: {قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا} [الأحزاب: ١٧].

ونظيره قوله في سياق آيات الجهاد: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النساء: ٧٨]، وقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [آل عمران: ١٥٦].

فمضمون الأمر: أنّ المنايا محتومة، فكم ممّن حضر الصفوف فسلم، وكم ممَّن (٣) فرَّ من المنيَّة فصادفته. كما قال خالد بن الوليد لمّا احْتُضِر: «لقد حضرتُ كذا وكذا صفًّا (٤)، وإنّ ببدني (٥) بضعًا وثمانين، ما بين ضَرْبة بسيف،


(١) (ف، ك): «لكنه».
(٢) بهامش (ك): «لعله قليلًا».
(٣) «حضر ... ممن» سقط من (ف).
(٤) «صفًّا» ليست في (ق)
(٥) في هامش الأصل: «نسخة: جسدي».

<<  <  ج: ص:  >  >>