للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: ٢١].

فأخبر ــ سبحانه ــ أنَّ الذين يُبتلون بالعدوِّ، كما ابْتُلِي به (١) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فلهم فيه إِسْوة حسنة، حيث أصابهم مثل ما أصابه، فليتأسَّوا به في التوكُّل والصَّبر، ولا يظنُّوا أنّ هذه المصائب نقمة لصاحبها (٢) وإهانة له، فإنه لو كان كذلك ما ابتُلِي بها خير الخلائق، بل بها تُنالُ الدَّرجات العالية، وبها يُكَفِّرُ الله الخطايا لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرًا. وإلاّ فقد ابتُليَ بذلك من ليس كذلك، فيكون في حقِّه عذابًا، كالكفار والمنافقين.

ثمّ قال تعالى: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب: ٢٢].

قال العلماء: كان الله قد أنزل في [ق ٦٤] سورة البقرة: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: ٢١٤].

فبيّن الله سبحانه ــ منكرًا على من حَسِب خلاف ذلك ــ أنّهم لا يدخلون الجنّة إلاّ بعد أن يُبتلوا مثل هذه الأمم قبلهم بـ «البأساء» وهي الحاجة والفاقة؛ و «الضراء» وهي الوجع والمرض، و «الزلزال» وهي زلزلة العدوّ.


(١) ليست في (ك).
(٢) «به ... لصاحبها» سقط من (ف). و (ك): «هذه نقم لصاحبها».

<<  <  ج: ص:  >  >>