للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غيره قطّ، وقال كلامًا كثيرًا، والناس يقولون (١) معه ومثله، والقضاةُ (٢) والأمراءُ. وكان وقتًا عجيبًا! وذلك مما يسوء كثيرًا من الحاضرين من أبناء جنسه.

وقال في الشيخ من الثناء والمبالغة مالا يقدر أحدٌ من أخصِّ أصحابه أن يقوله.

ثم إنَّ الوزير أنهى إلى السلطان: أنَّ أهلَ الذِّمّة قد بذلوا للديوان في كلِّ سنةٍ سبعمائة ألف درهم، زيادة على الجالية (٣)، على أن يعودوا إلى لبس العمائم البيض المعلَّمة بالحُمرة والصُّفْرة والزُّرْقة، وأن يُعْفَوا من هذه العمائم (٤) المصَبَّغة كلِّها بهذه الألوان، التي ألزمهم بها ركن الدين الشاشنكير.

فقال السلطان للقضاة ومَنْ هناك: ما تقولون؟

فسكت الناس!

فلما رآهم الشيخُ تقيُّ الدين سكتوا، جثا على ركبتيه، وشرع يتكلَّم مع السلطان في ذلك بكلامٍ غليظٍ، ويردُّ ما عرضَه الوزيرُ عنهم ردًّا عنيفًا، والسلطانُ يُسَكِّتُه بترفُّق وتُؤَدَة وتوقير. وبالغ (٥) الشيخُ في الكلام، وقال مالا يستطيعُ أحدٌ أن يقوم بمثله ولا بقريبٍ منه، حتَّى رجع السلطانُ عن ذلك، وألزمهم بما هم عليه، واستمرُّوا على هذه الصِّفة.


(١) (ف، ك): «تقول».
(٢) (ف، ك): «ومثله القضاة».
(٣) الجالية: هو ما يؤخذ من أهل الذمة من الجزية المقررة عليهم كل سنة. انظر «صبح الأعشى»: (٣/ ٤٥٨).
(٤) «البيض ... العمائم» سقط من (ف).
(٥) (ف، ك): «فبالغ».

<<  <  ج: ص:  >  >>