للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

له الشطر الظاهر، وفاته الشطرُ الباطن؛ لاتصاف قلبه بالجمود، وبُعْدِه في العبادة والتلاوة عن لين القلوب والجلود، كما قال تعالى: {تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر: ٢٣]. وبذلك يرتقي الفقيه عن فقهاء عصرنا (١) ويتميَّزُ به عنهم، فالنافذ من الفقهاء له البصيرة المنوَّرَة، والذَّوق الصحيح، والفراسة الصادقة، والمعرفة التامّة، والشهادة على غيره بصحيح الأعمال وسقيمها. ومن لم ينفُذْ لم تكن له هذه الخصوصية، وأبصرَ بعضَ الأشياء وغاب عنه بعضُها.

فيتعيَّنُ علينا جميعًا طلبُ النفوذِ إلى حضرة قُرْب المعبودِ، ولقائه بذوق الإيقان، لنعبدَه كأنَّنا نراه، كما جاءَ في الحديث (٢).

وذلك بعد الحظوة في هذه الدار بلقاء (٣) الرسول - صلى الله عليه وسلم - غيبًا في غيب، وسرًّا في سرٍّ، بالعكوفِ على معرفةِ أيامه وسننه واتباعها، فتبقى البصيرةُ شاخصةً إليه، تراه عيانًا في الغيب، كأنها معه - صلى الله عليه وسلم - وفي أيامه. فيجاهد على دينه، ويبذل ما استطاع من نفسه في نُصْرته.

وكذلك من سلك في طريق النفوذ يُرجَى له أن يلقى ربَّه بقلبه غيبًا في غيب، وسرًّا في سرٍّ، فيُرْزَق القلبُ قسطًا من المحبَّة والخشية والتعظيم [اليقيني] (٤)، فيرى الحقائقَ بقلبه من وراءِ سِتْر رقيق. وذلك هو المُعَبَّر عنه


(١) (ف): «عصر».
(٢) في حديث جبريل الطويل أخرجه البخاري (٥٠)، ومسلم (٩) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
(٣) (ف، ك): «وبعد ذلك الخطوة ... تلقاء».
(٤) «اليقيني» من بقية النسخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>