للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقد فارق الأصحابُ منه مُصاحبًا ... يُراعِي وداد الخِلّ إن خان وُدُّه (١)

قضى نَحْبَه والله راضٍ بفعلِه ... ولله فيما قد قَضَى فيه حمدُهُ

يدلُّ تُرابُ القَبْر من جاء زائرًا ... إليه بطيبٍ فيه يَعْبَقُ ندُّه

ولا تَحْسِبوا ما فاح عطرُ حَنوطِهِ ... ولكنَّه حُسْن الثناءِ ومجدُهُ

وكان لأهلِ العِلْم تاجًا مُكلَّلًا ... يحوطُهُمُ مِن مُبطلٍ خِيفَ حِقْدُهُ

وما كان إلا التِّبْر عند امتحانه ... يبينُ لعينِ الحاذِق النَّقدِ نقدُه

وكان يقولُ الحقَّ والحقُّ حُلوه ... مريرٌ لهذا كان يُكْرَه رَدُّه (2)

وفي الحقِّ لم تأخُذْه لومةُ لائمٍ ... ولا خافَ من غِمْر تشدَّد (3) حَرْدُه

وما كان إلّا السيفَ غارت يدُ العُلا ... عليه فردَّتهُ كما غار غِمدُهُ

ولم تُلْهه الدُّنيا وزُخْرفها الذي ... يروق لِمَن لم يؤنِسِ الدَّهرَ رُشدُهُ

لقد فقدَتْ منه المَحافلُ زَينها ... ولمَّا يُفارق علمَه الجمَّ وَجْدُهُ

وخُضِّبت الأقلامُ بعد مِدادها ... عليه دمًا قد فاض في الطِّرْس مَدُّه

فللدَّهر ما ضمَّ الثَّرى من مُحَقّقٍ ... ويالك مِن عَضْبٍ تثلَّم حدُّه (4)

وكان إمامًا يُستضاءُ بنوره ... وبحرًا من الإفضال قد غِيضَ عِدُّه

وكنتُ أُرَجِّي أن أراه، ونلتقي ... ولكنْ قضاءُ الله مَنْ ذا يردُّه


(1) (ك، ط): «أوده».
(2) (ف): «ورده».
(3) (ف): «تشدد».
(4) (ك): «جده».

<<  <  ج: ص:  >  >>