للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَيَجُوزُ ذَبْحُهُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ (سم) . وَالْقَارِنُ يَبْعَثُ شَاتَيْنِ، وَإِذَا تَحَلَّلَ الْمُحْصَرُ بِالْحَجِّ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ وَعَلَى الْقَارِنِ حَجَّةٌ وَعُمْرَتَانِ، وَعَلَى الْمُعْتَمِرِ عُمْرَةٌ، فَإِنْ بَعَثَ ثُمَّ زَالَ الْإِحْصَارُ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى إِدْرَاكِ الْهَدْيِ وَالْحَجِّ لَمْ يَتَحَلَّلْ وَلَزِمَهُ الْمُضِيُّ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ تَحَلَّلَ،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

فَهُوَ مَرْدُودٌ بِالْكِتَابِ.

قَالَ الْكِسَائِيُّ وَأَبُو عُبَيْدَةَ: مَا كَانَ مِنْ مَرَضٍ أَوْ ذَهَابِ نَفَقَةٍ يُقَالُ مِنْهُ أُحْصِرَ فَهُوَ مُحْصَرٌ ; وَمَا كَانَ مِنْ حَبْسِ عَدُوٍّ أَوْ سَجْنٍ يُقَالُ حُصِرَ فَهُوَ مَحْصُورٌ ; وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ إِجْمَاعَ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ عَلَى هَذَا، وَالنَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حُصِرَ بِالْعَدُوِّ، فَعَلِمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ مَا يَمْنَعُ مِنَ الْمُضِيِّ وَالْوُصُولِ إِلَى الْبَيْتِ.

وَقَوْلُهُ: (فِي الْحَرَمِ) إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ خَارِجَ الْحَرَمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: ١٩٦] وَمَحِلُّهُ الْحَرَمُ؛ لِأَنَّ الْهَدْيَ مَا عُرِفَ قُرْبَةً إِلَّا بِمَكَانٍ مَخْصُوصٍ أَوْ زَمَانٍ مَخْصُوصٍ، وَالزَّمَانُ قَدِ انْتَفَى فَتَعَيَّنَ الْمَكَانُ، وَلِأَنَّهُ لَوْ جَازَ ذَبْحُهُ حَيْثُ أُحْصِرَ لَكَانَ مَحِلُّهُ فَلَا تَبْقَى فَائِدَةٌ فِي قَوْلِهِ: {حَتَّى يَبْلُغَ} [البقرة: ١٩٦] . وَمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ذَبَحَ بِالْحُدَيْبِيَةِ حِينَ أُحْصِرَ بِهَا» ، فَالْحُدَيْبِيَةُ بَعْضُهَا مِنَ الْحَرَمِ، فَيُحْمَلُ ذَبْحُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيهِ تَوْقِيفًا بَيْنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

قَالَ: (وَيَجُوزُ ذَبْحُهُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ) وَقَالَا: لَا كَدَمِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ. وَجَوَابُهُ: أَنَّهُ دَمُ جِنَايَةٍ لِتَحَلُّلِهِ قَبْلَ أَوَانِهِ وَالْجِنَايَاتُ لَا تَتَوَقَّفُ بِخِلَافِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ فَإِنَّهُمَا دَمُ نُسُكٍ، وَلِأَنَّ التَّأْقِيتَ بِالزَّمَانِ زِيَادَةٌ عَلَى النَّصِّ، فَلَا يَجُوزُ ; وَلَوْ عَجَزَ عَنِ الذَّبْحِ لَا يَتَحَلَّلُ بِالصَّوْمِ وَيَبْقَى مُحْرِمًا حَتَّى يُذْبَحَ عَنْهُ أَوْ يَزُولَ الْمَانِعُ فَيَأْتِيَ مَكَّةَ وَيَتَحَلَّلَ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ، وَلَوْ صَبَرَ حَتَّى زَالَ الْمَانِعُ وَمَضَى إِلَى مَكَّةَ وَتَحَلَّلَ بِالْأَفْعَالِ لَا هَدْيَ عَلَيْهِ.

قَالَ: (وَالْقَارِنُ يَبْعَثُ شَاتَيْنِ) لِأَنَّهُ يَتَحَلَّلُ عَنْ إِحْرَامَيْنِ، وَقَدْ أُدْخِلَ النَّقْصُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.

قَالَ: (وَإِذَا تَحَلَّلَ الْمُحْصَرُ بِالْحَجِّ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ) رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَلِأَنَّ الْحَجَّةَ تَجِبُ بِالشُّرُوعِ فِيهَا ; وَأَمَّا الْعُمْرَةُ فَلِأَنَّهُ فِي مَعْنَى فَائِتِ الْحَجِّ، فَيَتَحَلَّلُ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ، وَقَدْ عَجَزَ فَيَجِبُ قَضَاؤُهَا.

(وَعَلَى الْقَارِنِ حَجَّةٌ وَعُمْرَتَانِ) حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ لِمَا ذَكَرْنَا، وَعُمْرَةٌ لِصِحَّةِ الشُّرُوعِ فِيهَا.

(وَعَلَى الْمُعْتَمِرِ عُمْرَةٌ) لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَأَصْحَابُهُ لَمَّا أُحْصِرُوا بِالْحُدَيْبِيَةِ عَنِ الْمُضِيِّ فِي الْعُمْرَةِ وَتَحَلَّلُوا قَضَوْهَا حَتَّى سُمِّيَتْ عُمْرَةَ الْقَضَاءِ.

قَالَ: (فَإِنْ بَعَثَ ثُمَّ زَالَ الْإِحْصَارُ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى إِدْرَاكِ الْهَدْيِ وَالْحَجِّ لَمْ يَتَحَلَّلْ وَلَزِمَهُ الْمُضِيُّ) لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ تَمَامِ الْخُلْفِ.

(وَإِنْ قَدَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ تَحَلَّلَ) أَمَّا إِذَا قَدَرَ عَلَى الْهَدْيِ دُونَ الْحَجِّ فَلَا فَائِدَةَ فِي الْمُضِيِّ ; وَأَمَّا بِالْعَكْسِ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَتَحَلَّلَ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْأَصْلِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَتَحَلَّلَ وَيَمْضِي وَيَأْتِي بِأَفْعَالِ الْحَجِّ لِيَأْتِيَ بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ، لَكِنِ اسْتَحْسَنُوا وَجَوَّزُوا لَهُ التَّحَلُّلَ لِأَنَّهُ لَمَّا عَجَزَ عَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>