كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ الْمُحَرَّمُ مِنْهَا الْخَمْرُ وَهِيَ النِّيءُ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ إِذَا غَلَا وَاشْتَدَّ وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ، الثَّانِي الْعَصِيرُ إِذَا طُبِخَ فَذَهَبَ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثِهِ وَهُوَ الطِّلَاءُ، وَإِنْ ذَهَبَ نِصْفُهُ فَالْمُنَصَّفُ. الثَّالِثُ السَّكَرُ، وَهُوَ النِّيءُ مِنْ مَاءَ الرُّطَبِ إِذَا غَلَا كَذَلِكَ.
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
[كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ]
وَهِيَ جَمْعُ شَرَابٍ، وَهُوَ كُلُّ مَائِعٍ رَقِيقٍ يُشْرَبُ وَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْمَضْغُ مُحَرَّمًا كَانَ أَوْ حَلَالًا، وَهِيَ تُسْتَخْرَجُ مِنَ الْعِنَبِ وَالزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ وَالْحُبُوبِ، وَمِنْهَا حَرَامٌ وَمِنْهَا حَلَالٌ.
فَـ (الْمُحَرَّمُ مِنْهَا الْخَمْرُ، وَهِيَ النِّيءُ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ إِذَا غَلَا وَاشْتَدَّ وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ) وَعِنْدَهُمَا لَا يُشْتَرَطُ الْقَذْفُ بِالزَّبَدِ لِأَنَّهُ يُسَمَّى خَمْرًا بِدُونِهِ، وَلِأَنَّ الْمُؤَثِّرَ فِي فَسَادِ الْعَقْلِ وَتَغْطِيَتِهِ هُوَ الِاشْتِدَادُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ السُّكُونَ أَصْلٌ فِي الْعَصِيرِ، وَمَا بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ آثَارِهِ فَالْحُكْمُ لَهُ، وَأَحْكَامُ الشَّرْعِ قَطْعِيَّةٌ فَلَا يُحْكَمُ بِكَوْنِهِ خَمْرًا مَعَ وُجُودِ شَيْءٍ مِنْ آثَارِ الْعَصِيرِ لِلْمُغَايَرَةِ بَيْنَهُمَا، وَلِأَنَّ الثَّابِتَ لَا يَزُولُ إِلَّا بِيَقِينٍ، فَمَا بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ آثَارِ الْعَصِيرِ لَا يُتَيَقَّنُ بِالْخَمْرِيَّةِ.
وَأَمَّا حُرْمَتُهَا فَبِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ. أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ} [المائدة: ٩٠] وَالرِّجْسُ: الْحَرَامُ لِعَيْنِهِ. وَالسُّنَّةُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «حُرِّمَتِ الْخَمْرُ لِعَيْنِهَا» وَقَدْ تَوَاتَرَ تَحْرِيمُهَا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَيْهِ إِجْمَاعُ الْأُمَّةِ؛ وَيَتَعَلَّقُ بِهَا أَحْكَامٌ أُخَرُ: مِنْهَا أَنَّهُ يَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهَا لِثُبُوتِ حُرْمَتِهَا بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ.
وَمِنْهَا أَنَّ نَجَاسَتَهَا مُغَلَّظَةٌ لِثُبُوتِهَا بِالدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ، وَمِنْهَا أَنَّهَا لَا قِيمَةَ لَهَا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ حَتَّى لَا يَجُوزَ بَيْعُهَا وَلَا يَضْمَنَ غَاصِبُهَا وَلَا مُتْلِفُهَا لِأَنَّ ذَلِكَ دَلِيلُ عِزَّتِهَا، وَتَحْرِيمُهَا دَلِيلُ إِهَانَتِهَا. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا وَأَكْلَ ثَمَنِهَا» وَمِنْهَا حُرْمَةُ الِانْتِفَاعِ بِهَا لِنَجَاسَتِهَا، وَلِأَنَّ فِي الِانْتِفَاعِ بِهَا تَقْرِيبَهَا، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة: ٩٠] وَمِنْهَا أَنَّهُ يُحَدُّ بِشُرْبِ الْقَلِيلِ مِنْهَا عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي بَابِهَا، وَمِنْهَا أَنَّ الطَّبْخَ لَا يُحِلُّهَا، لِأَنَّ الطَّبْخَ فِي الْعَصِيرِ يَمْنَعُ الْحُرْمَةَ وَلَا يَرْفَعُهَا. وَمِنْهَا جَوَازُ تَخْلِيلُهَا عَلَى مَا يَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(الثَّانِي الْعَصِيرُ إِذَا طُبِخَ فَذَهَبَ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثِهِ وَهُوَ الطِّلَاءُ) ؛ وَقِيلَ إِذَا ذَهَبَ ثُلُثَهُ فَهُوَ الطِّلَاءُ (وَإِنْ ذَهَبَ نِصْفُهُ فَالْمُنَصَّفُ) وَإِنْ طُبِخَ أَدْنَى طَبْخَةٍ فَالْبَاذِقُ وَالْكُلُّ حَرَامٌ إِذَا غَلَا وَاشْتَدَّ وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ عَلَى الِاخْتِلَافِ لِأَنَّهُ رَقِيقٌ لَذِيذٌ مُطْرِبٌ يَجْتَمِعُ الْفُسَّاقُ عَلَيْهِ فَيَحْرُمُ شُرْبُهُ دَفْعًا لِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنَ الْفَسَادِ.
(الثَّالِثُ السَّكَرُ، وَهُوَ النِّيءُ مِنْ مَاءِ الرُّطَبِ إِذَا غَلَا كَذَلِكَ) ؛ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْخَمْرُ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute