كِتَابُ الْجِنَايَاتِ
الْقَتْلُ الْمُتَعَلِّقُ بِالْأَحْكَامِ خَمْسَةٌ: عَمْدٌ، وَشِبْهُ عَمْدٍ، وَخَطَأٌ، وَمَا أُجْرِيَ مُجْرَى الْخَطَأِ، وَالْقَتْلُ بِسَبَبٍ.
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
[كِتَابُ الجنايات]
ِ، وَهِيَ جَمْعُ جِنَايَةٍ، وَالْجِنَايَةُ: كُلُّ فِعْلٍ مَحْظُورٍ يَتَضَمَّنُ ضَرَرًا، وَيَكُونُ تَارَةً عَلَى نَفْسِهِ، وَتَارَةً عَلَى غَيْرِهِ، يُقَالُ: جَنَى عَلَى نَفْسِهِ وَجَنَى عَلَى غَيْرِهِ، فَالْجِنَايَةُ عَلَى غَيْرِهِ تَكُونُ عَلَى النَّفْسِ وَعَلَى الطَّرَفِ وَعَلَى الْعِرْضِ وَعَلَى الْمَالِ، وَالْجِنَايَةُ عَلَى النَّفْسِ تُسَمَّى قَتْلًا أَوْ صَلْبًا أَوْ حَرْقًا، وَالْجِنَايَةُ عَلَى الطَّرَفِ تُسَمَّى قَطْعًا أَوْ كَسْرًا أَوْ شَجًّا، وَهَذَا الْبَابُ لِبَيَانِ هَاتَيْنِ الْجِنَايَتَيْنِ وَمَا يَجِبُ بِهِمَا. وَالْجِنَايَةُ عَلَى الْعِرْضِ نَوْعَانِ: قَذْفٌ وَمُوجَبُهُ الْحَدُّ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ. وَغِيبَةٌ وَمُوجَبُهَا الْإِثْمُ، وَهُوَ مِنْ أَحْكَامِ الْآخِرَةِ. وَالْجِنَايَةُ عَلَى الْمَالِ تُسَمَّى غَصْبًا أَوْ خِيَانَةً أَوْ سَرِقَةً وَقَدْ بَيَّنَّاهَا وَمُوجَبُهَا فِي كِتَابَيِ السَّرِقَةِ وَالْغَصْبِ - بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ الْقِصَاصُ مَشْرُوعٌ ثَبَتَتْ شَرْعِيَّتُهُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ. أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ - تَعَالَى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ} [البقرة: ١٧٨] الْآيَةَ، وَقَوْلُهُ: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: ٣٣] أَيْ أَثْبَتْنَا لِوَلِيِّهِ سَلْطَنَةَ الْقَتْلِ. وَالسُّنَّةُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ قَتَلَ قَتَلْنَاهُ» ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ» ، وَعَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ وَالْعَقْلُ، وَالْحِكْمَةُ تَقْتَضِي شَرْعِيَّتَهُ أَيْضًا، فَإِنَّ الطِّبَاعَ الْبَشَرِيَّةَ وَالْأَنْفُسَ الشِّرِّيرَةَ تَمِيلُ إِلَى الظُّلْمِ وَالِاعْتِدَاءِ وَتَرْغَبُ فِي اسْتِيفَاءِ الزَّائِدِ عَلَى الِابْتِدَاءِ سِيَّمَا سُكَّانُ الْبَوَادِي وَأَهْلُ الْجَهْلِ الْعَادِلِينَ عَنْ سُنَنِ الْعَقْلِ وَالْعَدْلِ كَمَا نُقِلَ مِنْ عَادَتِهِمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَوْ لَمْ تُشْرَعِ الْأَجْزِيَةُ الزَّاجِرَةُ عَنِ التَّعَدِّي وَالْقِصَاصِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا انْتِقَاصٍ لَتَجَرَّأَ ذَوُو الْجَهْلِ وَالْحَمِيَّةِ وَالْأَنْفُسِ الْأَبِيَّةِ عَلَى الْقَتْلِ وَالْفَتْكِ فِي الِابْتِدَاءِ وَإِضْعَافِ مَا جُنِيَ عَلَيْهِمْ فِي الِاسْتِيفَاءِ، فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إِلَى التَّفَانِي، وَفِيهِ مِنَ الْفَسَادِ مَا لَا يَخْفَى، فَاقْتَضَتِ الْحِكْمَةُ شَرْعَ الْعُقُوبَاتِ الزَّاجِرَةِ عَنِ الِابْتِدَاءِ فِي الْقَتْلِ وَالْقِصَاصِ الْمَانِعِ مِنِ اسْتِيفَاءِ الزَّائِدِ عَلَى الْمِثْلِ فَوَرَدَ الشَّرْعُ بِذَلِكَ لِهَذِهِ الْحِكْمَةِ حَسْمًا عَنْ مَادَّةِ هَذَا الْبَابِ فَقَالَ: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ} [البقرة: ١٧٩] .
قَالَ: (الْقَتْلُ الْمُتَعَلِّقُ بِالْأَحْكَامِ خَمْسَةٌ: عَمْدٌ، وَشِبْهُ عَمْدٍ، وَخَطَأٌ، وَمَا أُجْرِيَ مُجْرَى الْخَطَأِ، وَالْقَتْلُ بِسَبَبٍ) ، وَمَعْنَاهُ الْقَتْلُ الْوَاقِعُ ابْتِدَاءً بِغَيْرِ حَقِّ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ الْقِصَاصُ أَوِ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ هَذِهِ الْخَمْسَةُ، وَبَيَانُ الْحَصْرِ أَنَّ الْقَتْلَ لَا يَخْلُو إِمَّا إِنْ كَانَ مُبَاشَرَةً أَوْ لَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُبَاشَرَةً فَهُوَ الْقَتْلُ بِسَبَبٍ، وَإِنْ كَانَ مُبَاشَرَةً، فَإِمَّا إِنْ كَانَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، فَإِنْ كَانَ عَمْدًا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute