فَصْلٌ
وَإِذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ دَارَنَا بِأَمَانٍ يَقُولُ لَهُ الْإِمَامُ: إِنْ أَقَمْتَ سَنَةً وَضَعْتُ عَلَيْكَ الْجِزْيَةَ، فَإِنْ أَقَامَ صَارَ ذِمِّيًا، وَلَا يُمَكَّنُ مِنَ الْعَوْدِ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ، وَكَذَلِكَ إِنْ وَقَّتَ الْإِمَامُ دُونَ السَّنَةِ فَأَقَامَ، وَكَذَلِكَ إِذَا اشْتَرَى أَرْضَ خَرَاجٍ فَأَدَّى خَرَاجَهَا؛ وَإِذَا تَزَوَّجَتِ الْحَرْبِيَّةُ بِذِمِّيٍّ صَارَتْ ذِمِّيَّةً؛ وَلَوْ تَزَوَّجَ حَرْبِيٌ بِذِمِّيَّةٍ لَا يَصِيرُ ذِمِّيًّا وَالْجِزْيَةُ ضَرْبَانِ: مَا يُوضَعُ بِالتَّرَاضِي فَلَا يَتَعَدَّى عَنْهَا.
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
[فصل الْجِزْيَةُ]
فَصْلٌ (وَإِذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ دَارَنَا بِأَمَانٍ يَقُولُ لَهُ الْإِمَامُ: إِنْ أَقَمْتَ سَنَةً وَضَعْتُ عَلَيْكَ الْجِزْيَةَ) وَأَصْلُهُ أَنَّ الْحَرْبِيَّ لَا يُمَكَّنُ مِنَ الْإِقَامَةِ فِي دَارِنَا دَائِمًا إِلَّا بِأَحَدِ مَعْنَيَيْنِ: إِمَّا الِاسْتِرْقَاقُ، أَوِ الذِّمَّةُ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَطَّلِعُ عَلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ فَيَدُلُّ عَلَيْهَا وَلَا يُمْنَعُ مِنَ الْمُدَّةِ الْيَسِيرَةِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ} [التوبة: ٦] إِلَى قَوْلِهِ: {ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التوبة: ٦] . وَفِي مَنْعِهِمْ قَطْعُ الْجَلْبِ وَالْمِيرَةِ وَسَدُّ بَابِ التِّجَارَةِ، وَرُبَّمَا مَنَعُوا تُجَّارَنَا مِنَ الدُّخُولِ إِلَيْهِمْ وَفِيهِ مِنَ الْفَسَادِ مَا لَا يَخْفَى، وَإِذَا كَانَ لَا يَجُوزُ الْمُقَامُ الْكَثِيرُ وَيَجُوزُ الْقَلِيلُ، فَلَا بُدَّ مِنَ الْحَدِّ الْفَاصِلِ فَقَدَّرْنَاهُ بِالسَّنَةِ لِأَنَّهَا مُدَّةٌ تَجِبُ فِيهَا الْجِزْيَةُ فَتَكُونُ الْإِقَامَةُ لِمَصْلَحَةِ الْجِزْيَةِ.
قَالَ: (فَإِنْ أَقَامَ) يَعْنِي سَنَةً (صَارَ ذِمِّيًّا) لِالْتِزَامِهِ الْجِزْيَةَ بِشَرْطِ الْإِمَامِ فَتُوضَعُ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ.
(وَلَا يُمَكَّنُ مِنَ الْعَوْدِ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ) لِأَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ لَا يَنْتَقِضُ، وَلِأَنَّ فِيهِ مَضَرَّةَ الْمُسْلِمِينَ بِجَعْلِ وَلَدِهِ حَرْبًا عَلَيْنَا وَبِانْقِطَاعِ الْجِزْيَةِ. قَالَ: (وَكَذَلِكَ إِنْ وَقَّتَ الْإِمَامُ دُونَ السَّنَةِ فَأَقَامَ) لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُلْتَزِمًا.
قَالَ: (وَكَذَلِكَ إِذَا اشْتَرَى أَرْضَ خَرَاجٍ فَأَدَّى خَرَاجَهَا) لِأَنَّ خَرَاجَ الْأَرْضِ كَخَرَاجِ الرَّأْسِ لِأَنَّهُ إِذَا أَدَّاهُ فَقَدِ الْتَزَمَ الْمُقَامَ فِي دَارِنَا وَلَا يَصِيرُ ذِمِّيًّا بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ لِاحْتِمَالِ الشِّرَاءِ لِلتِّجَارَةِ؛ وَلَوْ أَجَّرَهَا مِنْ مُسْلِمٍ وَأَخَذَ الْإِمَامُ الْخَرَاجَ مِنَ الْمُسْتَأْجِرِ وَرَأَى ذَلِكَ عَلَى الزَّارِعِ لَمْ يَصِرْ ذِمِّيًّا، لِأَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ الْخَرَاجَ فَلَمْ يَصِرْ ذِمِّيًّا بِمِلْكِ الْأَرْضِ، وَيَصِيرُ ذِمِّيًّا حِينَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ، فَتُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ بَعْدَ سَنَةٍ مِنْ يَوْمِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ صَارَ ذِمِّيًّا.
قَالَ: (وَإِذَا تَزَوَّجَتِ الْحَرْبِيَّةُ بِذِمِّيٍّ صَارَتْ ذِمِّيَّةً؛ وَلَوْ تَزَوَّجَ حَرْبِيٌّ بِذِمِّيَّةٍ لَا يَصِيرُ ذِمِّيًّا) لِأَنَّهَا الْتَزَمَتِ الْمُقَامَ مَعَهُ وَلَمْ يَلْتَزِمْ هُوَ لِأَنَّهُ يُطَلِّقُهَا وَيَعُودُ.
قَالَ: (وَالْجِزْيَةُ ضَرْبَانِ: مَا يُوضَعُ بِالتَّرَاضِي فَلَا يَتَعَدَّى عَنْهَا) لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِالرِّضَى، فَلَا يَجِبُ غَيْرُ مَا رَضِيَ بِهِ، وَلِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ الْوَفَاءِ بِالْعَقْدِ، وَقَدْ صَالَحَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَصَارَى نَجْرَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute