كِتَابُ الصُّلْحِ وَيَجُوزُ مَعَ الْإِقْرَارِ وَالسُّكُوتِ (ف) وَالْإِنْكَارِ (ف) ; فَإِنْ كَانَ عَنْ إِقْرَارٍ وَهُوَ بِمَالٍ عَنْ مَالٍ فَهُوَ كَالْبَيْعِ، وَإِنْ كَانَ بِمَنَافِعَ عَنْ مَالٍ فَهُوَ كَالْإِجَارَةِ فَإِنِ اسْتُحِقَّ فِيهِ بَعْضُ الْمَصَالَحِ عَنْهُ رَدَّ حِصَّتَهُ مِنَ الْعِوَضِ، وَإِنِ اسْتُحِقَّ الْجَمِيعُ رَدَّ الْجَمِيعَ، وَإِنِ اسْتُحِقَّ كُلُّ الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ رَجَعَ بِكُلِّ الْمُصَالَحِ عَنْهُ، وَفِي الْبَعْضِ بِحِصَّتِهِ، وَالصُّلْحُ عَنْ سُكُوتٍ أَوْ إِنْكَارٍ مُعَاوَضَةٌ فِي حَقٍّ الْمُدَّعِي، وَفِي حَقَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِافْتِدَاءِ الْيَمِينِ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
[كِتَابُ الصُّلْحِ]
ِ وَهُوَ ضِدُّ الْفَسَادِ، يُقَالُ: صَلَحَ الشَّيْءُ إِذَا زَالَ عَنْهُ الْفَسَادُ، وَصَلَحَ الْمَرِيضُ إِذَا زَالَ عَنْهُ الْمَرَضُ، وَهُوَ فَسَادُ الْمِزَاجِ، وَصَلَحَ فُلَانٌ فِي سِيرَتِهِ إِذَا أَقْلَعَ عَنِ الْفَسَادِ.
وَفِي الشَّرْعِ: عَقْدٌ يَرْتَفِعُ بِهِ التَّشَاجُرُ وَالتَّنَازُعُ بَيْنَ الْخُصُومِ، وَهُمَا مَنْشَأُ الْفَسَادِ وَمَثَارُ الْفِتَنِ، وَهُوَ عَقْدٌ مَشْرُوعٌ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ، قَالَ - تَعَالَى -: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: ٩] ، وَقَالَ - تَعَالَى -: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: ١٢٨] ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ صُلْحٍ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، إِلَّا صُلْحًا حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ حَلَّلَ حَرَامًا» ، وَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (رُدُّوا الْخُصُومَ كَيْ يَصْطَلِحُوا) .
قَالَ: (وَيَجُوزُ مَعَ الْإِقْرَارِ وَالسُّكُوتِ وَالْإِنْكَارِ) لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا مِنَ النُّصُوصِ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَجْوَدُ مَا يَكُونُ الصُّلْحُ عَنْ إِنْكَارٍ ; لِأَنَّ الْحَاجَةَ إِلَى جَوَازِهِ أَمَسُّ ; لِأَنَّ الصُّلْحَ لِقَطْعِ الْمُنَازَعَاتِ وَإِطْفَاءِ الثَّائِرَاتِ، وَهُوَ فِي الصُّلْحِ عَنِ الْإِنْكَارِ أَبْلَغُ، وَلِلْحَاجَةِ أَثَرٌ فِي تَجْوِيزِ الْمُعَاقَدَاتِ، فَفِي إِبْطَالِهِ فَتْحُ بَابِ الْمُنَازَعَاتِ.
قَالَ: (فَإِنْ كَانَ عَنْ إِقْرَارٍ وَهُوَ بِمَالٍ عَنْ مَالٍ فَهُوَ كَالْبَيْعِ) لِوُجُودِ مَعْنَى الْبَيْعِ وَهُوَ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ بِتَرَاضِي الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَالْعِبْرَةُ لِلْمَعَانِي، فَيَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَالْعَيْبِ وَالشَّرْطِ وَالشُّفْعَةِ، وَيُشْتَرَطُ الْقُدْرَةُ عَلَى تَسْلِيمِ الْبَدَلِ، وَيُفْسِدُهُ جَهَالَةُ الْبَدَلِ لِإِفْضَائِهَا إِلَى الْمُنَازَعَةِ، وَلَا تُفْسِدُهُ جَهَالَةُ الْمُصَالَحِ عَنْهُ ; لِأَنَّهُ إِسْقَاطٌ.
قَالَ: (وَإِنْ كَانَ بِمَنَافِعَ عَنْ مَالٍ فَهُوَ كَالْإِجَارَةِ) لِوُجُودِ مَعْنَى الْإِجَارَةِ، وَهُوَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ بِمَالٍ حَتَّى تَبْطُلَ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا فِي الْمُدَّةِ كَمَا فِي صُورَةِ الْإِجَارَةِ (فَإِنِ اسْتُحِقَّ فِيهِ بَعْضُ الْمُصَالَحِ عَنْهُ رَدَّ حِصَّتَهُ مِنَ الْعِوَضِ، وَإِنِ اسْتُحِقَّ الْجَمِيعُ رَدَّ الْجَمِيعَ) ; لِأَنَّهُ مُبَادَلَةٌ كَالْبَيْعِ، وَحُكْمُ الْبَيْعِ كَذَلِكَ (وَإِنِ اسْتُحِقَّ كُلُّ الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ رَجَعَ بِكُلِّ الْمُصَالَحِ عَنْهُ وَفِي الْبَعْضِ بِحِصَّتِهِ) ; لِأَنَّهُ مُبَادَلَةٌ لِمَا مَرَّ.
قَالَ: (وَالصُّلْحُ عَنْ سُكُوتٍ أَوْ إِنْكَارٍ مُعَاوَضَةٌ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي) ; لِأَنَّ مِنْ زَعْمِهِ أَنَّهُ يَأْخُذُ عِوَضًا عَنْ مَالِهِ وَأَنَّهُ مُحِقٌّ فِي دَعْوَاهُ (وَفِي حَقِّ الْمُدَّعِي عَلَيْهِ لِافْتِدَاءِ الْيَمِينِ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute