للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَا أُجْرِيَ مُجْرَى الْخَطَأِ: مِثْلُ النَّائِمِ يَنْقَلِبُ عَلَى إِنْسَانٍ فَيَقْتُلُهُ فَهُوَ كَالْخَطَأِ. وَالْقَتْلُ بِسَبَبٍ: كَحَافِرِ الْبِئْرِ وَوَاضِعِ الْحَجَرِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ وَفِنَائِهِ فَيَعْطَبُ بِهِ إِنْسَانٌ، وَمُوجَبُهُ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ لَا غَيْرَ، وَكُلُّ ذَلِكَ يُوجِبُ حِرْمَانَ الْإِرْثِ إِلَّا الْقَتْلَ بِسَبَبٍ، وَلَوْ مَاتَ فِي الْبِئْرِ غَمًّا أَوْ جُوعًا فَهُوَ هَدَرٌ (سم) ، وَالْكَفَّارَةُ عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ.

وَيُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَبِالْعَبْدِ،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

قَالَ: (وَمَا أُجْرِيَ مُجْرَى الْخَطَأِ: مِثْلُ النَّائِمِ يَنْقَلِبُ عَلَى إِنْسَانٍ فَيَقْتُلُهُ فَهُوَ كَالْخَطَأِ) فِي الْحُكْمِ لِأَنَّ النَّائِمَ لَا قَصْدَ لَهُ فَلَا يُوصَفُ فِعْلُهُ بِالْعَمْدِ وَلَا بِالْخَطَأِ، إِلَّا أَنَّهُ فِي حُكْمِ الْخَطَأِ لِحُصُولِ الْمَوْتِ بِفِعْلِهِ كَالْخَاطِئِ.

قَالَ: (وَالْقَتْلُ بِسَبَبٍ كَحَافِرِ الْبِئْرِ وَوَاضِعِ الْحَجَرِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ وَفِنَائِهِ فَيَعْطَبُ بِهِ إِنْسَانٌ، وَمُوجَبُهُ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ لَا غَيْرَ) ; لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيمَا وَضَعَهُ وَحَفَرَهُ فَجُعِلَ دَافِعًا مُوَقِّعًا فَتَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَلَا يَأْثَمُ فِيهِ لِعَدَمِ الْقَصْدِ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا أَلْحَقْنَاهُ بِالْقَاتِلِ فِي حَقِّ الضَّمَانِ فَبَقِيَ مَا وَرَاءَهُ عَلَى الْأَصْلِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْوَاقِعُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا أَوْ دَابَّةً فَضَمَانُهُ عَلَيْهِ، بِذَلِكَ قَضَى شُرَيْحٌ بِمَحْضَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ مِنْهُمْ، وَلَوْ سَقَاهُ سُمًّا فَقَتَلَهُ فَهُوَ مُسَبِّبٌ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْهُ مُبَاشَرَةً وَلَا هُوَ مَوْضُوعٌ لِلْقَتْلِ، وَلِهَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الطَّبَائِعِ، وَإِنْ دَفَعَهُ إِلَيْهِ فَشَرِبَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى عَاقِلَتِهِ ; لِأَنَّ الشَّارِبَ هُوَ الَّذِي قَتَلَ نَفْسَهُ، فَصَارَ كَمَا إِذَا تَعَمَّدَ الْوُقُوعَ فِي الْبِئْرِ.

قَالَ: (وَكُلُّ ذَلِكَ يُوجِبُ حِرْمَانَ الْإِرْثِ إِلَّا الْقَتْلَ بِسَبَبٍ) قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لًا مِيرَاثَ لِقَاتِلٍ» ، وَالْمُسَبِّبُ لَيْسَ بِقَاتِلٍ وَلَا مُتَّهَمٍ ; لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّ مُوَرِّثَهُ يَقَعُ فِي الْبِئْرِ وَهُوَ مُتَّهَمٌ فِي الْخَطَأِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ قَصَدَ ذَلِكَ فِي الْبَاطِنِ.

قَالَ: (وَلَوْ مَاتَ فِي الْبِئْرِ غَمًّا أَوْ جُوعًا فَهُوَ هَدَرٌ) وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَضْمَنُ الْحَافِرُ فِيهِمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَضْمَنُ فِي الْغَمِّ دُونَ الْجُوعِ ; لِأَنَّ الْغَمَّ بِسَبَبِ الْبِئْرِ وَالْوُقُوعِ فِيهَا، أَمَّا الْجُوعُ بِسَبَبِ فَقْدِ الطَّعَامِ وَلَا مَدْخَلِ لِلْبِئْرِ فِي ذَلِكَ. وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْجُوعَ أَيْضًا بِسَبَبِ الْوُقُوعِ إِذْ لَوْلَاهُ لَكَانَ الطَّعَامُ قَرِيبًا مِنْهُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَمْ يَمُتْ بِالْوُقُوعِ فَلَا يَضْمَنُ، وَإِنَّمَا مَاتَ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ وَهُوَ الْجُوعُ وَالْغَمُّ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُضَافٍ إِلَى الْحَافِرِ فَلَا يَكُونُ مُسَبِّبًا.

قَالَ: (وَالْكَفَّارَةُ عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ) لِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [النساء: ٩٢] وَلَا يُجْزِئُ فِيهَا الطَّعَامُ لِأَنَّ الْكَفَّارَاتِ لَا تُعْلَمُ إِلَّا نَصًّا وَلَا نَصَّ فِيهِ.

[[فصل يقتل الحر بالحر وبالعبد]]

فَصْلٌ (وَيُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَبِالْعَبْدِ) أَمَّا الْحُرُّ بِالْحُرِّ فَلَا خِلَافَ فِيهِ، قَالَ - تَعَالَى -: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ} [البقرة: ١٧٨]

<<  <  ج: ص:  >  >>