للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَمُوجَبُهُ الْإِثْمُ وَالْكَفَّارَةُ وَالدِّيَةُ مُغَلَّظَةً عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَهُوَ عَمْدٌ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ، وَالْخَطَأُ أَنْ يَرْمِيَ شَخْصًا يَظُنُّهُ صَيْدًا، أَوْ حَرْبِيًّا فَإِذَا هُوَ مُسْلِمٌ، أَوْ يَرْمِيَ غَرَضًا فَيُصِيبُ آدَمِيًّا، وَمُوجَبُهُ الْكَفَّارَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ.

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

فِي إِزْهَاقِ الرُّوحِ فَيَكُونُ عَمْدًا. وَرُوِيَ «أَنَّ يَهُودِيًّا رَضَخَ رَأْسَ جَارِيَةٍ بِالْحَجَرِ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالْقِصَاصِ» . وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَلَا إِنَّ قَتِيلَ خَطَأِ الْعَمْدِ قَتِيلُ السَّوْطِ وَالْعَصَا، وَفِيهِ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ عَصَا وَعَصَا. وَرَوَى النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ: «كُلُّ شَيْءٍ خَطَأٌ إِلَّا السَّيْفَ، وَفِي كُلِّ خَطَأٍ أَرْشٌ» ، وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: شِبْهُ الْعَمْدِ: الْحَذْفَةُ بِالْعَصَا وَالْقَذْفَةُ بِالْحَجَرِ، «فَالنَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَمَّاهُ خَطَأَ الْعَمْدِ» ; لِأَنَّهُ عَمْدٌ مِنْ جِهَةِ الْفِعْلِ خَطَأٌ مِنْ جِهَةِ الْحُكْمِ ; لِأَنَّ آلَتَهُ لَيْسَتْ آلَةَ الْعَمْدِ، وَلِأَنَّ مَعْنَى الْعَمْدِيَّةِ فِيهِ قَاصِرٌ لِكَوْنِهِ آلَةً غَيْرَ مَوْضُوعَةٍ لِلْقَتْلِ وَلَا مُسْتَعْمَلَةٍ فِيهِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ قَتْلُهُ بِهَا عَلَى غِرَّةٍ مِنْهُ فَيُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ، بِخِلَافِ السَّيْفِ وَأَخَوَاتِهِ فَإِنَّهَا تُسْتَعْمَلُ عَلَى غِرَّةٍ مِنَ الْمَقْتُولِ فَكَانَ شِبْهَ الْعَمْدِ كَالْعَصَا وَالسَّوْطِ الصَّغِيرَيْنِ، وَلِأَنَّ الْقَتْلَ إِفْسَادُ الْآدَمِيِّ صُورَةً وَمَعْنًى، أَمَّا صُورَةٌ فَبِنَقْضِ التَّرْكِيبِ، وَأَمَّا مَعْنًى فَإِفْسَادُ الْمَنَافِعِ، وَقَدْ وُجِدَ الْقَتْلُ هَهُنَا مَعْنًى لَا صُورَةً، فَلَوْ وَجَبَ الْقِصَاصُ وَأَنَّهُ يَجِبُ بِالسَّيْفِ عَمَلًا بِالْحَدِيثِ يَكُونُ قَتْلًا صُورَةً وَمَعْنًى فَلَا تُوجَدُ الْمُمَاثَلَةُ الْوَاجِبَةُ بِالنُّصُوصِ، وَأَمَّا الْيَهُودِيُّ فَالنَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَتَلَهُ سِيَاسَةً، فَإِنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ اعْتَادَ ذَلِكَ، وَعِنْدَنَا مَتَى تَكَرَّرَ مِنْهُ ذَلِكَ فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتُلَهُ سِيَاسَةً.

قَالَ: (وَمُوجَبُهُ الْإِثْمُ) لِأَنَّهُ قَتْلٌ عَنْ قَصْدٍ.

(وَالْكَفَّارَةُ) لِشِبْهِهِ بِالْخَطَأِ، وَفِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ فَيَحْتَاطُ فِي إِيجَابِهَا.

(وَالدِّيَةُ مُغَلَّظَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ) ; لِأَنَّ كُلَّ دِيَةٍ تَجِبُ بِالْقَتْلِ مِنْ غَيْرِ صُلْحٍ وَلَا عَفْوٍ لِبَعْضٍ فَإِنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي الدِّيَاتِ، وَسَنُبَيِّنُ كَيْفِيَّةَ وُجُوبِهَا وَالتَّغْلِيظَ وَقَدْرَهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

قَالَ: (وَهُوَ عَمْدٌ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ) ; لِأَنَّ إِتْلَافَ النَّفْسِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْآلَةِ، وَمَا دُونَهَا لَا يَخْتَصُّ بِآلَةٍ دُونَ آلَةٍ، فَبَقِيَ الْمُعْتَبَرُ تَعَمُّدَ الضَّرْبِ وَقَدْ وُجِدَ فَكَانَ عَمْدًا.

قَالَ: (وَالْخَطَأُ أَنْ يَرْمِيَ شَخْصًا يَظُنُّهُ صَيْدًا أَوْ حَرْبِيًّا فَإِذَا هُوَ مُسْلِمٌ) وَهُوَ خَطَأٌ فِي الْقَصْدِ.

(أَوْ يَرْمِي غَرَضًا فَيُصِيبُ آدَمِيًّا) وَهُوَ خَطَأٌ فِي الْفِعْلِ.

(وَمُوجَبُهُ الْكَفَّارَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ) لِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: ٩٢] .

(وَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ) قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ» الْحَدِيثَ، وَقِيلَ الْمَنْفِيُّ إِثْمُ الْقَتْلِ، وَإِنَّمَا يَأْثَمُ مِنْ حَيْثُ تَرَكَ الِاحْتِرَازَ وَالتَّثَبُّتَ حَالَةَ الرَّمْيِ، وَلِهَذَا وَجَبَتِ الْكَفَّارَةُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>