كِتَابُ الْمُكَاتَبِ وَمَنْ كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى مَالٍ فَقَبِلَ صَارَ مُكَاتَبًا، وَالصَغِيرُ الَذِي يَعْقِلُ كَالْكَبِيرِ، وَسَوَاءٌ شَرَطَهُ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا أَوْ مُنَجَّمًا، وَإِذَا صَحَّتِ الْكِتَابَةُ يَخْرُجُ عَنْ يَدِ الْمَوْلَى دُونَ مِلْكِهِ.
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
[كِتَابُ الْمُكَاتَبِ]
ِ الْكِتَابَةُ مُسْتَحَبَّةٌ مَنْدُوبَةٌ، قَالَ تَعَالَى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: ٣٣] وَالْمُرَادُ النَّدْبُ، لِأَنَّ الْإِيجَابَ غَيْرُ مُرَادٍ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ حَمَلْنَاهُ عَلَى الْجَوَازِ يَلْزَمُ تَرْكُ الْعَمَلِ بِالشَّرْطِ لِأَنَّهَا جَائِزَةٌ بِدُونِهِ بِالْإِجْمَاعِ، وَقَوْلُهُ: {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: ٣٣] خَرَجَ مَخْرَجَ الْعَادَةِ، أَوْ نَقُولُ: إِنْ لَمْ يَعْلَمْ فِيهِ خَيْرًا فَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يُكَاتِبَهُ، وَلِمَا فِيهَا مِنَ السَّعْيِ فِي حُصُولِ الْحُرِّيَّةِ وَمَصَالِحِهَا، وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ بِمَا تَلَوْنَا مِنَ الْكِتَابِ وَبِالسُّنَّةِ، وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ كَاتَبَ عَبْدًا عَلَى مِائَةِ أُوقِيَةٍ فَأَدَّاهَا كُلَّهَا إِلَّا عَشَرَةَ أَوَاقٍ فَهُوَ عَبْدُهُ» ، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ» ، وَعَلَى جَوَازِهَا الْإِجْمَاعُ.
قَالَ: (وَمَنْ كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى مَالٍ فَقَبِلَ صَارَ مُكَاتَبًا) ، أَمَّا الْجَوَازُ فَلِمَا بَيَّنَّا، وَأَمَّا شَرْطُ الْقَبُولِ فَلِأَنَّهُ مَالٌ يَلْزَمُهُ فَلَا بُدَّ مِنِ الْتِزَامِهِ وَذَلِكَ بِالْقَبُولِ، وَلَا يَعْتِقُ إِلَّا بِأَدَاءِ جَمِيعِ الْبَدَلِ لِمَا رَوَيْنَا مِنَ الْحَدِيثِ، فَإِذَا أَدَّاهُ عَتَقَ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لَهُ الْمَوْلَى إِنْ أَدَّيْتَهُ فَأَنْتَ حُرٌّ لِأَنَّهُ مُوجَبُ الْعَقْدِ فَيَثْبُتُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ كَمَا فِي الْبَيْعِ.
(وَالصَّغِيرُ الَّذِي يَعْقِلُ كَالْكَبِيرِ) وَهِيَ ذَرِيعَةُ الْإِذْنِ لِلصَّبِيِّ الْعَاقِلِ، قَالَ: (وَسَوَاءٌ شَرَطَهُ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا أَوْ مُنَجَّمًا) لِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ، وَقَيْدُ التَّأْجِيلِ زِيَادَةٌ عَلَى النَّصِّ فَيُرَدُّ كَمَا فِي سَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ، بِخِلَافِ السَّلَمِ لِأَنَّ الْمُسَلَّمَ فِيهِ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ وَهُوَ بَيْعُ الْمَفَالِيسِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي السَّلَمِ، فَلَا بُدَّ مِنْ زَمَانٍ يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِهِ، أَمَّا هُنَا الْبَدَلُ مَعْقُودٌ بِهِ فَلَا يَشْتَرِطُ قُدْرَتُهُ عَلَيْهِ كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ إِذَا كَانَ الْمُشْتَرِي مُفْلِسًا أَوْ أَفْلَسَ بَعْدَ الشِّرَاءِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَقْتَرِضَ الْبَدَلَ وَيُوَفِّيَهُ فِي الْحَالِ، أَمَّا الْمُسَلَّمُ فِيهِ لَوْ قَدَرَ عَلَيْهِ بِأَنْ كَانَ لَهُ أَوِ اقْتَرَضَهُ لَمَا بَاعَهُ بِأَوْكَسِ الثَّمَنَيْنِ وَلَبَاعَهُ فِيمَنْ يَزِيدُ بِقِيمَةِ الْوَقْتِ، وَإِذَا كَاتَبَهُ حَالًّا فَكَمَا امْتَنَعَ مِنَ الْأَدَاءِ يُرَدُّ فِي الرِّقِّ لِأَنَّهُ عَجَزَ، وَعَجْزُ الْمُكَاتَبِ يُوجِبُ رَدَّهُ إِلَى الرِّقِّ.
قَالَ: (وَإِذَا صَحَّتِ الْكِتَابَةُ يَخْرُجُ عَنْ يَدِ الْمَوْلَى دُونَ مِلْكِهِ) حَتَّى يَصِيرَ أَحَقَّ بِمَنَافِعِهِ وَأَكْسَابِهِ، لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنَ الْكِتَابَةِ وُصُولُ الْمَوْلَى إِلَى الْبَدَلِ وَوُصُولُ الْعَبْدِ إِلَى الْحُرِّيَّةِ بِأَدَاءِ بَدَلِهَا، وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إِلَّا بِفَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُ وَثُبُوتِ حُرِّيَّةِ الْيَدِ حَتَّى يَتَّجِرَ وَيَكْتَسِبَ وَيُؤَدِّيَ الْبَدَلَ، فَإِذَا أَدَّى عَتَقَ هُوَ وَأَوْلَادُهُ بِعِتْقِهِ وَخَرَجَ عَنْ مِلْكِ الْمَوْلَى أَيْضًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute