فَصْلٌ إِذَا جَنَى الْعَبْدُ خَطَأً فَمَوْلَاهُ إِمَّا أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ فَيَمْلِكُهُ أَوْ يَفْدِيَهُ بِأَرْشِهَا، وَكَذَلِكَ إِنْ جَنَى ثَانِيًا وَثَالِثًا، وَإِنْ جَنَى جِنَايَتَيْنِ فَإِمَّا أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَيْهِمَا يَقْتَسِمَانِهِ بِقَدْرِ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ أَرْشِ جِنَايَتِهِ، أَوْ يَفْدِيَهُ بِأَرْشِهِمَا،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
[فصل جِنَايَةُ الْعَبْدِ]
فَصْلٌ (إِذَا جَنَى الْعَبْدُ خَطَأً فَمَوْلَاهُ إِمَّا أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ فَيَمْلِكُهُ أَوْ يَفْدِيهِ بِأَرْشِهَا) وَسَوَاءٌ كَانَتِ الْجِنَايَةُ عَلَى حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ فِي النَّفْسِ أَوْ فِيمَا دُونَهَا قَلَّ أَرْشُهَا أَوْ كَثُرَ، لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا جَنَى الْعَبْدُ فَمَوْلَاهُ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ دَفَعَهُ وَإِنْ شَاءَ فَدَاهُ.
وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: عَبِيدُ النَّاسِ أَمْوَالُهُمْ وَجِنَايَتُهُمْ فِي رَقَبَتِهِمْ، وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِثْلُهُ، وَلِأَنَّهَا جِنَايَةٌ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهَا مِنَ الرَّقَبَةِ فَتَتَعَلَّقُ بِهَا الْجِنَايَةُ كَجِنَايَةِ الْعَمْدِ. وَإِذَا تَعَلَّقَتْ بِرَقَبَتِهِ، فَإِذَا خَلَّى الْمَوْلَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ سَقَطَتِ الْمُطَالَبَةُ عَنْهُ كَمَا فِي الْعَمْدِ، وَلِأَنَّهُ إِنَّمَا خُوطِبَ بِالْجِنَايَةِ لِأَجْلِ مِلْكِهِ، فَإِذَا سَقَطَ حَقُّهُ زَالَتِ الْمُطَالَبَةُ كَالْوَارِثِ إِذَا خَلَّى بَيْنَ التَّرِكَةِ وَبَيْنَ أَرْبَابِ الدُّيُونِ، فَإِذَا اخْتَارَ الْفِدَاءَ فَحَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ فِي الْأَرْشِ، فَإِذَا اسْتَوْفَاهُ سَقَطَ حَقُّهُ، إِلَّا أَنَّ الْوَاجِبَ الْأَصْلِيَّ هُوَ الدَّفْعُ حَتَّى يَسْقُطَ مُوجِبُ الْجِنَايَةِ بِمَوْتِ الْعَبْدِ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ، إِلَّا أَنَّ لَهُ حَقَّ الْفِدَاءِ لِمَا ذَكَرْنَا كَدَفْعِ الْقِيَمِ فِي الزَّكَاةِ.
وَلَوِ اخْتَارَ الْمَوْلَى الْفِدَاءَ ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ فَالْفِدَاءُ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ بِالِاخْتِيَارِ انْتَقَلَ الْحَقُّ مِنَ الرَّقَبَةِ إِلَى الذِّمَّةِ فَلَا يَسْقُطُ بِمَوْتِ الْعَبْدِ كَغَيْرِهِ مِنَ الدُّيُونِ، وَلَيْسَتْ جِنَايَةُ الْعَبْدِ كَدَيْنِهِ فِي تَعَلُّقِهِ بِرَقَبَتِهِ ; لِأَنَّ جِنَايَةَ الْحُرِّ الْخَطَأَ يُطَالَبُ بِهَا غَيْرُهُ وَهُمُ الْعَاقِلَةُ، وَدُيُونَهُ لَا يُطَالَبُ بِهَا غَيْرُهُ، فَكَذَلِكَ الْعَبْدُ جِنَايَتُهُ الْخَطَأُ يُطَالِبُ بِهَا غَيْرُهُ وَهُوَ الْمَوْلَى، وَدُيُونُهُ تَتَعَلَّقُ بِهِ، وَلَا يُطَالِبُ بِهَا غَيْرُهُ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُهُ بِالدَّفْعِ لِأَنَّهُ عِوَضُ جِنَايَتِهِ فَيَمْلِكُهُ كَسَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ.
قَالَ: (وَكَذَلِكَ إِنْ جَنَى ثَانِيًا وَثَالِثًا) مَعْنَاهُ إِذَا جَنَى بَعْدَ الْفِدَاءِ مِنَ الْأُولَى يُخَيَّرُ الْمَوْلَى كَالْأُولَى؛ لِأَنَّهُ لَمَّا فَدَاهُ فَقَدْ طَهَرَ عَنِ الْجِنَايَةِ وَصَارَتْ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ فَهَذِهِ تَكُونُ جِنَايَةً مُبْتَدَأَةً، وَكَذَا الثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ وَغَيْرُهَا.
قَالَ: (وَإِنْ جَنَى جِنَايَتَيْنِ فَإِمَّا أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَيْهِمَا يَقْتَسِمَانِهِ بِقَدْرِ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ أَرْشِ جِنَايَتِهِ أَوْ يَفْدِيِهِ بِأَرْشِهِمَا) وَكَذَلِكَ إِنْ جَنَى عَلَى جَمَاعَةٍ إِمَّا أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَيْهِمْ يَقْتَسِمُونَهُ بِالْحِصَصِ، وَإِمَّا أَنْ يَفْدِيَهُ بِجَمِيعِ أَرْشِهِمْ ; لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْجِنَايَةِ بِرَقَبَتِهِ لَا يَمْنَعُ تَعَلُّقَ مِثْلِهَا كَمَا فِي الدُّيُونِ، وَلِأَنَّ حَقَّ الْمَوْلَى لَمْ يَمْنَعْ تَعَلُّقَ الْجِنَايَةِ بِرَقَبَتِهِ، فَحَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute