وَإِذَا اصْطَدَمَ فَارِسَانِ أَوْ مَاشِيَانِ فَمَاتَا فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دِيَةُ الْآخَرِ، وَلَوْ تَجَاذَبَا حَبْلًا فَانْقَطَعَ وَمَاتَا فَإِنْ وَقَعَا عَلَى ظَهْرَيْهِمَا فَهُمَا هَدَرٌ، وَإِنْ سَقَطَا عَلَى وَجْهَيْهِمَا فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ دِيَةُ الْآخَرِ، وَإِنِ اخْتَلَفَا فَدِيَةُ الْوَاقِعِ عَلَى وَجْهِهِ عَلَى عَاقِلَةِ الْوَاقِعِ عَلَى ظَهْرِهِ، وَهُدِرَ دَمُ الَذِي وَقَعَ عَلَى ظَهْرِهِ، وَإِنْ قَطَعَ آخَرُ الْحَبْلَ فَمَاتَا فَدِيَتُهُمَا عَلَى عَاقِلَتِهِ.
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
الرَّاكِبِ ; لِأَنَّهُ مُبَاشِرٌ عَلَى مَا قَدَّمْنَا وَالسَّائِقُ مُسَبِّبٌ وَالْإِضَافَةُ إِلَى الْمُبَاشِرِ أَوْلَى، وَجَمِيعُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ إِنْ كَانَ الْهَالِكُ آدَمِيًّا فَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّهَا تَتَحَمَّلُ الدِّيَةَ فِي الْخَطَأِ تَخْفِيفًا عَلَى الْقَاتِلِ مَخَافَةَ اسْتِئْصَالِهَا لَهُ، وَهَذَا دُونَ الْخَطَأِ فِي الْجِنَايَةِ فَكَانَ أَوْلَى بِالتَّخْفِيفِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ آدَمِيٍّ كَالدَّوَابِّ وَالْعُرُوضِ فَفِي مَالِ الْجَانِي؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَعْقِلُ الْأَمْوَالَ.
قَالَ: (وَإِذَا اصْطَدَمَ فَارِسَانِ أَوْ مَاشِيَانِ فَمَاتَا فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دِيَةُ الْآخَرِ) ; لِأَنَّ قَتْلَ كُلِّ وَاحِدٍ مُضَافٌ إِلَى فِعْلِ الْآخَرِ لَا إِلَى فِعْلِهِمَا ; لِأَنَّ الْقَتْلَ يُضَافُ إِلَى سَبَبٍ مَحْظُورٍ، وَفِعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَهُوَ الْمَشْيُ فِي الطَّرِيقِ مُبَاحٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ مَحْظُورٌ فِي حَقِّ صَاحِبِهِ إِذْ هُوَ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، فَسَقَطَ اعْتِبَارُ فِعْلِهِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لِكَوْنِهِ مُبَاحًا فَيُضَافُ قَتْلُهُ كُلُّهُ إِلَى فِعْلِ الْآخَرِ لِكَوْنِهِ مَحْظُورًا فِي حَقِّهِ وَصَارَ كَالْمَاشِي مَعَ الْحَافِرِ، فَإِنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بِفِعْلِهِمَا وَهُوَ الْحَفْرُ وَالْمَشْيُ، وَمَعَ هَذَا فَإِنَّ التَّلَفَ إِنَّمَا يُضَافُ إِلَى فِعْلِ الْحَافِرِ؛ لِأَنَّهُ مَحْظُورٌ لَا إِلَى فِعْلِ الْمَاشِي؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ، وَلَوْ كَانَا عَامِدَيْنِ فِي الِاصْطِدَامِ ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ الدِّيَةِ ; لِأَنَّ فِعْلَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَحْظُورٌ فَأُضِيفَ التَّلَفُ إِلَى فِعْلِهِمَا، وَلَوْ كَانَا عَبْدَيْنِ فَهُمَا هَدَرٌ.
أَمَّا فِي الْخَطَأِ فَلِأَنَّ الْجِنَايَةَ تَعَلَّقَتْ بِرَقَبَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَفْعًا أَوْ فِدَاءً وَقَدْ فَاتَ بِغَيْرِ فِعْلِ الْمَوْلَى لَا إِلَى بَدَلٍ فَسَقَطَ ضَرُورَةً، وَأَمَّا الْعَمْدُ فَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هَلَكَ بَعْدَ مَا جَنَى فَسَقَطَ الْقِصَاصُ.
فِي نَوَادِرِ ابْنِ رُسْتُمَ رَجُلٌ سَارٍ عَلَى دَابَّةٍ فَجَاءَ رَاكِبٌ مِنْ خَلْفِهِ فَصَدَمَهُ فَعَطِبَ الْمُؤَخَّرُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُقَدَّمِ، وَإِنْ عَطِبَ الْمُقَدَّمُ فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُؤَخَّرِ، وَكَذَا فِي السَّفِينَتَيْنِ.
وَلَوْ كَانَا دَابَّتَيْنِ وَعَلَيْهِمَا رَاكِبَانِ قَدِ اسْتَقْبَلَتَا وَاصْطَدَمَتَا فَعَطِبَتْ إِحْدَاهُمَا فَالضَّمَانُ عَلَى الْآخَرِ.
قَالَ: (وَلَوْ تَجَاذَبَا حَبْلًا فَانْقَطَعَ وَمَاتَا، فَإِنْ وَقَعَا عَلَى ظَهْرَيْهِمَا فَهُمَا هَدَرٌ) ; لِأَنَّ مَوْتَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُضَافٌ إِلَى فِعْلِهِ وَقُوَّةِ نَفْسِهِ لَا قُوَّةِ صَاحِبِهِ.
(وَإِنْ سَقَطَا عَلَى وَجْهَيْهِمَا فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ دِيَةُ الْآخَرِ) ; لِأَنَّهُ سَقَطَ بِقُوَّةِ صَاحِبِهِ وَجَذْبِهِ.
(وَإِنِ اخْتَلَفَا فِدْيَةُ الْوَاقِعِ عَلَى وَجْهِهِ عَلَى عَاقِلَةِ الْوَاقِعِ عَلَى ظَهْرِهِ) ; لِأَنَّهُ مَاتَ بِقُوَّةِ صَاحِبِهِ. (وَهُدِرَ دَمُ الَّذِي وَقَعَ عَلَى ظَهْرِهِ) ; لِأَنَّهُ مَاتَ بِقُوَّةِ نَفْسِهِ.
(وَإِنْ قَطَعَ آخَرُ الْحَبْلَ فَمَاتَا فَدِيَتُهُمَا عَلَى عَاقِلَتِهِ) ; لِأَنَّهُ مُضَافٌ إِلَى فِعْلِهِ وَهُوَ الْقَطْعُ فَكَانَ مُسَبِّبًا.