وَيَجُوزُ الْإِقْرَارُ بِالْحَمْلِ، وَلَهُ إِذَا بَيَّنَ سَبَبًا صَالِحًا (ف) لِلْمِلْكِ.
فَصْلٌ
إِذَا اسْتَثْنَى بَعْضَ مَا أَقَرَّ بِهِ مُتَّصِلًا صَحَّ وَلَزِمَهُ الْبَاقِي،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
هَذَا الْكَلَامِ يُرَادُ بِهِ الْكُلُّ كَمَا يَقُولُ لِغَيْرِهِ: خُذْ مِنْ دَرَاهِمِي مِنْ دِرْهَمٍ إِلَى عَشَرَةٍ، فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ عَشَرَةً وَتَدْخُلَ الْغَايَتَانِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ يُذْكَرُ لِإِرَادَةِ الْأَقَلِّ مِنَ الْأَكْثَرِ وَالْأَكْثَرِ مِنَ الْأَقَلِّ. قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى السَّبْعِينَ» وَالْمُرَادُ فَوْقَ السِّتِّينَ وَدُونَ السَّبْعِينَ، وَكَذَلِكَ فِي الْعُرْفِ تَقُولُ: عُمْرِي مِنْ سِتِّينَ إِلَى سَبْعِينَ، وَيُرِيدُونَ بِهِ أَكْثَرَ مِنْ سِتِّينَ وَأَقَلَّ مِنْ سَبْعِينَ، وَالْجَمِيعُ إِنَّمَا يُرَادُ فِيمَا طَرِيقُهُ التَّكَرُّمُ وَالسَّمَاحَةُ إِظْهَارًا لَهُمَا كَمَا ذَكَرَاهُ مِنَ النَّظِيرِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ دُخُولِ الْغَايَةِ الْأُولَى لِيُبْتَنَى الْحُكْمُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا ثُبُوتُهَا يَصِيرُ مَا بَعْدَهَا غَايَةٌ فِي الِابْتِدَاءِ فَتَنْتَفِي أَيْضًا، فَاحْتَجْنَا إِلَى ثُبُوتِ الْغَايَةِ ابْتِدَاءً وَلَا حَاجَةَ إِلَى الْأَخِيرَةِ، بِخِلَافِ نَظِيرِ زُفَرَ؛ لِأَنَّ الْحَائِطَ غَايَةٌ مَوْجُودَةٌ قَبْلَ الْإِقْرَارِ فَلَا حَاجَةَ إِلَى غَيْرِهِ.
قَالَ: (وَيَجُوزُ الْإِقْرَارُ بِالْحَمْلِ، وَلَهُ إِذَا بَيَّنَ سَبَبًا صَالِحًا لِلْمِلْكِ) أَمَّا الْإِقْرَارُ بِهِ فَلِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنَّهُ أَوْصَى بِهِ آخَرُ، وَالْإِقْرَارُ مُظْهِرٌ لَهُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ تَصْحِيحًا لِإِقْرَارِهِ. وَأَمَّا لَهُ، أَمَّا إِذَا ذَكَرَ سَبَبًا صَالِحًا كَالْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ صَحَّ الْإِقْرَارُ لِصَلَاحِيَةِ السَّبَبِ، وَإِنْ ذَكَرَ سَبَبًا غَيْرَ صَالِحٍ كَالْبَيْعِ مِنْهُ وَالْقَرْضِ وَالْإِجَارَةِ وَنَحْوِهَا لَا يَصِحُّ لِلِاسْتِحَالَةِ، وَإِنْ سَكَتَ قَالَ مُحَمَّدٌ: يَصِحُّ وَيُحْمَلُ عَلَى الْأَسْبَابِ الصَّالِحَةِ تَصْحِيحًا لِإِقْرَارِهِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْإِقْرَارِ يَنْصَرِفُ إِلَى الْوَاجِبِ بِالْمُعَامَلَاتِ عَادَةً فَلَا يَصِحُّ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَمِ. وَإِذَا صَحَّ الْإِقْرَارُ، فَإِنْ وُلِدَ فِي مُدَّةٍ يُعْلَمُ وُجُودُهُ وَقْتَ الْإِقْرَارِ لَزِمَ، وَلَوْ جَاءَتْ بِوَلَدَيْنِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ وُلِدَ مَيِّتًا فَالْمَالُ لِمُوَرِّثِهِ وَمَنْ أَوْصَى لَهُ وَيَكُونُ بَيْنَ وَرَثَتِهِمَا، لِأَنَّ الْمَالَ إِنَّمَا يَنْتَقِلُ إِلَى الْجَنِينِ بَعْدَ الْوِلَادَةِ، وَلَمْ يَنْتَقِلْ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ فَبَقِيَ عَلَى مِلْكِ الْمُوَرِّثِ وَالْمُوصِي فَيُورَثُ عَنْهُمَا.
[فصل الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْإِقْرَارِ]
(إِذَا اسْتَثْنَى بَعْضَ مَا أَقَرَّ بِهِ مُتَّصِلًا صَحَّ وَلَزِمَهُ الْبَاقِي) ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا وَالِاسْتِثْنَاءُ صَحِيحٌ، وَيَجُوزُ اسْتِثْنَاءُ الْأَكْثَرِ كَمَا يَجُوزُ اسْتِثْنَاءُ الْأَقَلِّ، وَبِكُلِّهِ وَرَدَ النَّصُّ. قَالَ تَعَالَى: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: ١٤] الْمَعْنَى: لَبِثَ فِيهِمْ تِسْعَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً؛ فَهَذَا اسْتِثْنَاءُ الْأَقَلِّ مِنَ الْأَكْثَرِ. وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الحجر: ٤٢] وَهَذَا اسْتِثْنَاءُ الْأَكْثَرِ؛ لِأَنَّ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ أَكْثَرُ الْعِبَادِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute