للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكِنَايَاتُ الطَّلَاقِ لَا يَقَعُ بِهَا إِلَّا بِنِيَّةٍ أَوْ بِدَلَالَةِ الْحَالِ، وَيَقَعُ بَائِنًا إِلَّا اعْتَدِّي وَاسْتَبْرِئِي رَحِمَكِ وَأَنْتِ وَاحِدَةٌ فَيَقَعُ بِهَا وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ.

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

أَوْ قَدَّمَهُ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِحِرَفِ الْجَمْعِ. وَلَهُ أَنَّ الشَّرْطَ إِذَا تَأَخَّرَ بِغَيْرِ صَدْرِ الْكَلَامِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ جَمِيعُ الْكَلَامِ فَتَقَعُ جُمْلَةً، أَمَّا إِذَا تَقَدَّمَ لَا مُغَيِّرَ لَهُ فَلَا يَتَوَقَّفُ، وَالْجَمِيعُ يَحْتَمِلُ التَّرْتِيبَ وَيَحْتَمِلُ الْقِرَانَ، فَعَلَى تَقْدِيرِ احْتِمَالِ التَّرْتِيبِ لَا تَقَعُ إِلَّا وَاحِدَةٌ كَمَا إِذَا صَرَّحَ بِهِ فَلَا يَقَعُ الزَّائِدُ عَلَيْهِ بِالشَّكِّ، وَلَوْ عَطَفَ بِحَرْفِ الْفَاءِ. قَالَ الْكَرْخِيُّ: هُوَ عَلَى الْخِلَافِ، وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ: تَقَعُ وَاحِدَةٌ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الْفَاءَ لِلتَّعْقِيبِ، قَالُوا: وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ بَانَتْ بِالْأُولَى وَلَمْ تَتَعَلَّقْ بِالثَّانِيَةِ، وَفِي الْمَدْخُولِ بِهَا تَقَعُ وَاحِدَةٌ لِلْحَالِ وَتَتَعَلَّقُ الثَّانِيَةُ بِالدُّخُولِ.

[فصل كِنَايَاتُ الطَّلَاقِ]

فَصْلٌ (وَكِنَايَاتُ الطَّلَاقِ لَا يَقَعُ بِهَا إِلَّا بِنِيَّةٍ أَوْ بِدَلَالَةِ الْحَالِ) لِاحْتِمَالِهَا الطَّلَاقَ وَغَيْرَهُ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَوْضُوعَةٍ لَهُ فَلَا يَتَعَيَّنُ إِلَّا بِالتَّعْيِينِ، وَهُوَ أَنْ يَنْوِيَهُ أَوْ تَدُلَّ عَلَيْهِ الْحَالُ فَتَتَرَجَّحُ إِرَادَتُهُ. قَالَ: (وَيَقَعُ بَائِنًا) لِأَنَّهُ يَمْلِكُ إِيقَاعَ الْبَائِنِ وَأَنَّهُ أَحَدُ نَوْعَيِ الْبَيْنُونَةِ فَيَمْلِكُهُ كَالثَّلَاثِ وَقَدْ أَوْقَعَهُ بِقَوْلِهِ: أَنْتِ بَائِنٌ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ أَوْ أَبَنْتُكِ بِطَلْقَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ تَدُلُّ عَلَى الْبَيْنُونَةِ بِصَرِيحِهَا وَمَعْنَاهَا، فَإِنَّ قَوْلَهُ بَائِنٌ صَرِيحٌ. وَبَتَّةٌ وَبَتْلَةٌ يُنْبِئَانِ عَنِ الْقَطْعِ وَذَلِكَ فِي الْبَائِنِ دُونَ الرَّجْعِيِّ، وَكَذَا سَائِرُ الْأَلْفَاظِ إِذَا تَأَمَّلْتَ مَعْنَاهَا.

قَالَ: (إِلَّا اعْتَدِّي وَاسْتَبْرِئِي رَحِمَكِ وَأَنْتِ وَاحِدَةٌ فَيَقَعُ بِهَا وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةُ) لِأَنَّ قَوْلَهُ: اعْتَدِّي يَحْتَمِلُ اعْتَدِّي نِعَمَ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَحْتَمِلُ اعْتَدِّي عِدَّةَ الطَّلَاقِ فَإِذَا نَوَاهَا يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ: طَلَّقْتُكِ فَاعْتَدِّي، وَذَلِكَ يُوجِبُ الرَّجْعَةَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: اسْتَبْرِئِي رَحِمَكِ فَلِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ لِلْعِدَّةِ إِذْ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا، وَيَحْتَمِلُ اسْتَبْرِئِي لِأُطَلِّقَكِ، فَإِنْ نَوَى الْأَوَّلَ كَانَ فِي مَعْنَاهُ فَيَكُونُ رَجْعِيًّا لِمَا مَرَّ.

وَقَوْلُهُ: أَنْتِ وَاحِدَةٌ يَصْلُحُ نَعْتًا لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ وَيَصْلُحُ وَصْفًا لَهَا بِالتَّوْحِيدِ عِنْدَهُ، فَإِذَا نَوَى الطَّلَاقَ تَعَيَّنَ الْأَوَّلُ وَمِثْلُهُ جَائِزٌ كَقَوْلِهِ: أَعْطَيْتُكَ جَزِيلًا أَيْ عَطَاءً جَزِيلًا، وَإِذَا احْتَمَلَهُ فَإِذَا نَوَاهُ تَعَيَّنَ مُجْمَلًا فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً وَاحِدَةً، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ كَانَ رَجْعِيًّا فَكَذَا هَذَا، وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إِذَا أَعْرَبَ الْوَاحِدَةَ بِالرَّفْعِ لَا يَقَعُ شَيْءٌ وَإِنْ نَوَى؛ لِأَنَّهُ صِفَةٌ لِشَخْصِهَا، وَإِنْ أَعْرَبَ بِالنَّصْبِ تَقَعُ وَاحِدَةٌ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ لِأَنَّهُ نَعْتُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، وَإِنْ سَكَّنَ يُحْتَاجُ إِلَى نِيَّتِهِ، وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ قَالُوا: الْكُلُّ سَوَاءٌ، لِأَنَّ الْعَامَّةَ لَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَ ذَلِكَ فَلَا يُبْنَى حُكْمٌ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ عَلَيْهِ.

وَلَا يَقَعُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ إِلَّا وَاحِدَةٌ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: أَنْتِ طَالِقٌ مُضْمَرٌ فِيهَا أَوْ مُقْتَضًى، وَلَوْ أَظْهَرَ لَا يَقَعُ إِلَّا وَاحِدَةٌ لِمَا بَيَّنَّا، كَذَا هَذَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>