للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بَابُ الرِّبَا وَعِلَّتُهُ عِنْدَنَا الْكَيْلُ أَوِ الْوَزْنُ (ف) مَعَ الْجِنْسِ،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

وَإِثْبَاتُ الزِّيَادَةِ يُبْطِلُ مَعْنَى التَّوْلِيَةِ، فَتَلْغُو التَّسْمِيَةُ، وَتُحَطُّ الزِّيَادَةُ تَحْقِيقًا لِمَعْنَى التَّوْلِيَةِ.

وَمَعْنَى قَوْلِهِ وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي الْوَضِيعَةِ: أَيْ إِذَا خَانَ خِيَانَةً تَنْفِي الْوَضِيعَةَ؛ أَمَّا إِذَا كَانَتْ خِيَانَةً تُوجَدُ الْوَضِيعَةُ مَعَهَا فَهُوَ بِالْخِيَارِ، وَهَذَا عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَحُطُّ فِيهِمَا، وَمُحَمَّدٌ يُخَيَّرُ فِيهِمَا.

[بَابُ الرِّبَا]

وَهُوَ فِي اللُّغَةِ: الزِّيَادَةُ، وَمِنْهُ الرَّبْوَةُ لِلْمَكَانِ الزَّائِدِ عَلَى غَيْرِهِ فِي الِارْتِفَاعِ.

وَفِي الشَّرْعِ: الزِّيَادَةُ الْمَشْرُوطَةُ فِي الْعَقْدِ، وَهَذَا إِنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ.

وَقِيلَ الرِّبَا فِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ عَقْدٍ فَاسِدٍ بِصِفَةٍ سَوَاءً كَانَ فِيهِ زِيَادَةٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ، فَإِنَّ بَيْعَ الدَّرَاهِمِ بِالدَّنَانِيرِ نَسِيئَةً رِبًا وَلَا زِيَادَةَ فِيهِ. وَالْأَصْلُ فِي تَحْرِيمِهِ قَوْله تَعَالَى:

{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٥] وَقَوْلُهُ: {لا تَأْكُلُوا الرِّبَا} [آل عمران: ١٣٠] وَالْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ، وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَزْنًا بِوَزْنٍ، يَدًا بِيَدٍ، وَالْفَضْلُ رِبًا، وَالْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، كَيْلًا بِكَيْلٍ، يَدًا بِيَدٍ، وَالْفَضْلُ رِبًا، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، كَيْلًا بِكَيْلٍ، يَدًا بِيَدٍ، وَالْفَضْلُ رِبًا، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، كَيْلًا بِكَيْلٍ، يَدًا بِيَدٍ، وَالْفَضْلُ رِبًا، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، كَيْلًا بِكَيْلٍ، يَدًا بِيَدٍ، وَالْفَضْلُ رِبًا» وَأَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى تَعَدِّي الْحُكْمِ مِنْهَا إِلَى غَيْرِهَا إِلَّا مَا يُرْوَى عَنْ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ، وَدَاوُدَ الظَّاهِرِيِّ وَلَا اعْتِمَادَ عَلَيْهِ.

قَالَ: (وَعِلَّتُهُ عِنْدَنَا الْكَيْلُ أَوِ الْوَزْنُ مَعَ الْجِنْسِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي آخِرِ الْحَدِيثِ: «وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يُكَالُ وَيُوزَنُ» رَوَاهَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَنْظَلِيُّ بَيَّنَ أَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا تَبِيعُوا الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ، وَلَا الصَّاعَيْنِ بِالثَّلَاثَةِ» وَهَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ مَكِيلٍ سَوَاءً كَانَ مَطْعُومًا أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَلِأَنَّ الْحُكْمَ مُتَعَلِّقٌ بِالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ، إِمَّا إِجْمَاعًا، أَوْ لِأَنَّ التَّسَاوِيَ حَقِيقَةً لَا يُعْرَفُ إِلَّا بِهِمَا، وَجَعْلُ الْعِلَّةِ مَا هُوَ مُتَعَلَّقُ الْحُكْمِ إِجْمَاعًا أَوْ مُعَرَّفٌ لِلتَّسَاوِي حَقِيقَةً أَوْلَى مِنَ الْمَصِيرِ إِلَى مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَلَا يُعْرَفُ التَّسَاوِي حَقِيقَةً، وَلِأَنَّ التَّسَاوِيَ وَالْمُمَاثَلَةَ شَرْطٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مِثْلًا بِمِثْلٍ» وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: «سَوَاءً بِسَوَاءٍ» أَوْ صِيَانَةً لِأَمْوَالِ النَّاسِ، وَالْمُمَاثَلَةُ بِالصُّورَةِ وَالْمَعْنَى أَتَمُّ وَذَلِكَ فِيمَا قُلْنَاهُ، لِأَنَّ الْكَيْلَ وَالْوَزْنَ يُوجِبُ الْمُمَاثِلَةَ صُورَةً، وَالْجِنْسِيَّةُ تُوجِبُهَا مَعْنًى فَكَانَ أَوْلَى.

وَهَذَا أَصْلٌ يَنْبَنِي عَلَيْهِ عَامَّةُ مَسَائِلِ الرِّبَا، فَنَذْكُرُ بَعْضَهَا تَنْبِيهًا عَلَى الْبَاقِي لِمَنْ يَتَأَمَّلُهَا:

مِنْهَا لَوْ بَاعَ حِفْنَةَ طَعَامٍ بِحِفْنَتَيْنِ، أَوْ تُفَّاحَةً بِتُفَّاحَتَيْنِ يَجُوزُ لِعَدَمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>