كِتَابُ الْمَفْقُودِ وَحُكْمُهُ أَنَّهُ حَيٌّ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَمَيِّتٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، وَيُقِيمُ الْقَاضِي مَنْ يَحْفَظُ مَالَهُ وَيَسْتَوْفِي غَلَّاتِهِ فِيمَا لَا وَكِيلَ لَهُ فِيهِ، وَيَبِيعُ مِنْ أَمْوَالِهِ مَا يَخَافُ عَلَيْهِ الْهَلَاكَ، وَيُنْفِقُ مِنْ مَالِهِ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ حَالَ حُضُورِهِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
لَا جُعْلَ لَهُ ; لِأَنَّهُ عَمِلَ لِنَفْسِهِ، وَإِنْ قَالَ: لَمْ أَقْدِرْ عَلَى رَدِّهِ إِلَّا بِالشِّرَاءِ وَإِنَّمَا اشْتَرَيْتُهُ لِأَرُدَّهُ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ فَلَهُ الْجُعْلُ ; لِأَنَّهُ أَخَذَهُ لِيَرُدَّهُ وَهُوَ مُتَبَرِّعٌ فِي الثَّمَنِ، وَإِذَا حَبَسَ السُّلْطَانُ الْآبِقَ مُدَّةً وَلَمْ يَجِئْ لَهُ طَالِبٌ إِنْ شَاءَ بَاعَهُ وَإِنْ شَاءَ أَنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَجَعَلَهَا دَيْنًا عَلَى الْمَالِكِ أَوْ فِي ثَمَنِهِ، وَلَا يُؤَاجِرُهُ خَوْفَ الْإِبَاقِ. أَمَّا الضَّالُّ يُؤَاجِرُهُ وَلَا يَبِيعُهُ.
[كِتَابُ الْمَفْقُودِ]
الْمَفْقُودُ: الْمَعْدُومُ، وَفَقَدْتَ الشَّيْءَ: إِذَا طَلَبْتَهُ فَلَمْ تَجِدْهُ، قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ} [يوسف: ٧٢] أَيْ طَلَبْنَاهُ فَلَمْ نَجِدْهُ فَقَدَ عُدِمَ.
وَفِي الشَّرْعِ: الَّذِي غَابَ عَنْ أَهْلِهِ وَبَلَدِهِ أَوْ أَسَرَهُ الْعَدُوُّ وَلَمْ يُدْرَ أَحَيٌّ هُوَ أَمْ مَيِّتٌ، وَلَا يُعْلَمُ لَهُ مَكَانٌ وَمَضَى عَلَى ذَلِكَ زَمَانٌ فَهُوَ مَعْدُومٌ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ (وَحُكْمُهُ أَنَّهُ حَيٌّ فِي حَقِّ نَفْسِهِ) لَا تَتَزَوَّجُ امْرَأَتُهُ وَلَا يُقَسَّمُ مَالُهُ وَلَا تُفْسَخُ إِجَارَتُهُ ; لِأَنَّ مِلْكَهُ كَانَ ثَابِتًا فِي مَالِهِ وَزَوْجَتِهِ وَمَنَافِعِ مَا اسْتَأْجَرَهُ، وَغَيْبُوبَتُهُ لَا تُوجِبُ الْفُرْقَةَ، وَالْمَوْتُ مُحْتَمَلٌ، فَلَا يَزُولُ الثَّابِتُ بِالْيَقِينِ بِالِاحْتِمَالِ. «وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ: " هِيَ امْرَأَتُهُ حَتَّى يَأْتِيَهَا الْبَيَانُ» رَوَاهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ. وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إِنَّهَا امْرَأَةٌ ابْتُلِيَتْ فَلْتَصْبِرْ حَتَّى يَأْتِيَهَا مَوْتٌ أَوْ طَلَاقٌ. وَرَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ إِذَا مَضَتْ أَرْبَعُ سِنِينَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى قَوْلِ عَلِيٍّ.
قَالَ (و) هُوَ (مَيِّتٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ) لَا يَرِثُ مِمَّنْ مَاتَ حَالَ غَيْبَتِهِ ; لِأَنَّ الْحُكْمَ بِبَقَائِهِ بِنَاءً عَلَى اسْتِصْحَابِ الْحَالِ وَأَنَّهُ يَصْلُحُ لِلدَّفْعِ لَا لِلِاسْتِحْقَاقِ. قَالَ: (وَيُقِيمُ الْقَاضِي مَنْ يَحْفَظُ مَالَهُ وَيَسْتَوْفِي غَلَّاتِهِ فِيمَا لَا وَكِيلَ لَهُ فِيهِ، وَيَبِيعُ مِنْ أَمْوَالِهِ مَا يَخَافُ عَلَيْهِ الْهَلَاكَ) ; لِأَنَّ الْقَاضِيَ نُصِبَ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ نَظَرًا لِمَنْ عَجَزَ عَنِ التَّصَرُّفِ بِنَفْسِهِ كَمَا قُلْنَا فِي الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، وَالْمَفْقُودُ عَاجِزٌ بِنَفْسِهِ فَيَتَصَرَّفُ لَهُ الْقَاضِي، وَالنَّظَرُ لَهُ فِيمَا ذَكَرْنَا، فَيَقْبِضُ دَيْنًا أَقَرَّ بِهِ الْغَرِيمُ وَلَا يُخَاصِمُ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ فِي الْقَبْضِ مِنْ جِهَتِهِ وَأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ بِالْإِجْمَاعِ ; لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَلِي الْحِفْظَ دُونَ الْخُصُومَةِ، وَلَا يَبِيعُ مَا لَا يَخَافُ عَلَيْهِ الْهَلَاكَ لَا فِي نَفَقَةٍ وَلَا غَيْرِهَا إِذْ لَا نَظَرَ فِي ذَلِكَ. قَالَ: (وَيُنْفِقُ مِنْ مَالِهِ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ حَالَ حُضُورِهِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ) كَزَوْجَتِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute