فَصْلٌ [الْإِقَالَةُ] الْإِقَالَةُ جَائِزَةٌ، وَتَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ فِي الْمَجْلِسِ، وَهِيَ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ (سم) بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقٍّ ثَالِثٍ (ز) ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
[فصل في الإقالة وأحكامها]
فَصْلٌ
(الْإِقَالَةُ جَائِزَةٌ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ أَقَالَ نَادِمًا بَيْعَتَهُ أَقَالَ اللَّهُ عَثْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَلِأَنَّ لِلنَّاسِ حَاجَةً إِلَيْهَا كَحَاجَتِهِمْ إِلَى الْبَيْعِ فَتُشْرَعُ، وَلِأَنَّهَا تَرْفَعُ الْعَقْدَ فَصَارَتْ كَالطَّلَاقِ مَعَ النِّكَاحِ.
(وَتَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ فِي الْمَجْلِسِ) لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى التَّمْلِيكِ، وَتَصِحُّ بِلَفْظَيْنِ يُعَبَّرُ بِأَحَدِهِمَا عَنِ الْمُسْتَقْبَلِ لِأَنَّهَا لَا يَحْضُرُهَا السَّوْمُ غَالِبًا كَالنِّكَاحِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا بُدَّ مِنْ لَفْظَيْنِ مَاضِيَيْنِ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ بِعِوَضٍ كَالْبَيْعِ، وَجَوَابُهُ مَا مَرَّ، وَلَا تَصِحُّ إِلَّا بِلَفْظِ الْإِقَالَةِ، فَلَوْ تَقَايَلَا بِلَفْظِ الْبَيْعِ كَانَ بَيْعًا بِالْإِجْمَاعِ، لِأَنَّ الْإِقَالَةَ تُنْبِئُ عَنِ الرَّفْعِ، وَالْبَيْعَ عَنِ الْإِثْبَاتِ فَتَتَنَافَيَا؛ وَلَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَتَبْطُلُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ.
قَالَ: (وَهِيَ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقٍّ ثَالِثٍ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنْ تَعَذَّرَ جَعْلُهَا فَسْخًا بَطَلَتْ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ الْكُلِّ، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَفَسْخٌ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ بَطَلَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: فَسْخٌ، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَبَيْعٌ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ بَطَلَ. وَقَالَ زُفَرُ: فَسْخٌ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَصُورَتُهُ: لَوْ تَقَايَلَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَهُوَ فَسْخٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَيَبْطُلُ شَرْطُ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ، وَكَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ جَعْلُهُ بَيْعًا إِلَّا فِي الْعَقَارِ حَيْثُ يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ عِنْدَهُ. وَلَوْ تَقَايَلَا بَعْدَ الْقَبْضِ فَهُوَ فَسْخٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَيَلْزَمُهُ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ جِنْسًا وَوَصْفًا وَقَدْرًا، وَيَبْطُلُ مَا شَرَطَهُ مِنَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ وَالتَّأْجِيلِ وَالتَّغْيِيرِ، لِأَنَّ الْإِقَالَةَ رَفْعٌ فَيَقْتَضِي رَفْعَ الْمَوْجُودِ، وَالزِّيَادَةُ لَمْ تَكُنْ فَلَا تُرْفَعُ إِلَّا إِذَا حَدَثَ بِالْمَبِيعِ عَيْبٌ، فَيَجُوزُ بِأَقَلَّ مِنَ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، لِأَنَّ النُّقْصَانَ فِي مُقَابَلَةِ الْعَيْبِ، وَلَوْ حَدَثَتِ الزِّيَادَةُ فِي الْمَبِيعِ كَالْوَلَدِ وَنَحْوِهِ بَعْدَ الْقَبْضِ بَطَلَتِ الْإِقَالَةُ عِنْدَهُ لِتَعَذُّرِ الْفَسْخِ بِسَبَبِ الزِّيَادَةِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْإِقَالَةُ جَائِزَةٌ بِمَا سَمَّيَا كَالْبَيْعِ الْجَدِيدِ، وَحُدُوثُ الزِّيَادَةِ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إِنْ سَكَتَ أَوْ سَمَّى الثَّمَنَ الْأَوَّلَ أَوْ أَقَلَّ أَوْ دَخَلَهُ عَيْبٌ فَهُوَ فَسْخٌ، أَمَّا إِذَا سَمَّى الْأَقَلَّ فَلِأَنَّهُ سُكُوتٌ عَنِ الْبَعْضِ، وَلَوْ سَكَتَ عَنِ الْكُلِّ كَانَ فَسْخًا فَكَذَا عَنِ الْبَعْضِ، وَأَمَّا إِذَا ذَكَرَ الثَّمَنَ الْأَوَّلَ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا إِذَا دَخَلَهُ عَيْبٌ فَلَمَّا مَرَّ.
وَإِنْ سَمَّيَا أَكْثَرَ أَوْ خِلَافَ الْجِنْسِ أَوْ حَدَثَتِ الزِّيَادَةُ فَهُوَ بَيْعٌ جَدِيدٌ لِتَعَذُّرِ الْفَسْخِ. وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ فَسْخٌ بِصِيغَتِهِ، لِأَنَّ الْإِقَالَةَ تُنْبِئُ عَنِ الرَّفْعِ، وَمِنْهُ: أَقِلْنِي عَثْرَتِي بِمَعْنَى الرَّفْعِ وَالْإِزَالَةِ، وَفِيهِ مَعْنَى الْبَيْعِ لِكَوْنِهِ مُبَادَلَةَ الْمَالِ بِالْمَالِ، فَإِذَا أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِالصِّيغَةِ يَعْمَلُ بِهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute