بَابُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَهُوَ يُفِيدُ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَسْخُهُ، وَيُشْتَرَطُ قِيَامُ الْمَبِيعِ حَالَةَ الْفَسْخِ، فَإِنْ بَاعَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ وَهَبَهُ بَعْدَ الْقَبْضِ جَازَ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
السِّرِّ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ وَهُوَ قَوْلُهُمَا، لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا أَنَّهُمَا لَمْ يَقْصِدَا الْأَلِفَ الزَّائِدَةَ فَكَأَنَّهُمَا هَزِلَا بِهَا.
وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْعَقْدِ هُوَ الَّذِي يَصِحُّ الْعَقْدُ بِهِ، وَمَا ذَكَرَاهُ سِرًّا لَمْ يَذْكُرَاهُ حَالَةَ الْعَقْدِ فَسَقَطَ حُكْمُهُ.
الثَّالِثَةُ: اتَّفَقَا أَنَّ الثَّمَنَ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَتَبَايَعَا عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ. قَالَ مُحَمَّدٌ: الْقِيَاسُ أَنْ يَبْطُلَ الْعَقْدُ، وَالِاسْتِحْسَانُ أَنْ يَصِحَّ بِمِائَةِ دِينَارٍ.
وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ الثَّمَنَ الْبَاطِنَ لَمْ يَذْكُرَاهُ فِي الْعَقْدِ، وَالْمَذْكُورُ لَمْ يَقْصِدَاهُ فَسَقَطَ فَبَقِيَ بِلَا ثَمَنٍ فَلَا يَصِحُّ.
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمَقْصُودَ الْبَيْعُ الْجَائِزُ لَا الْبَاطِلُ، وَلَا جَائِزَ إِلَّا بِثَمَنِ الْعَلَانِيَةِ كَأَنَّهُمَا أَضْرَبَا عَنِ السِّرِّ وَذَكَرَا الظَّاهِرَ، وَلَيْسَ هَذَا كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِأَنَّ الْمَشْرُوطَ سِرًّا مَذْكُورٌ فِي الْعَقْدِ وَزِيَادَةٌ وَتَعَلَّقَ الْعَقْدُ بِهِ، وَيَثْبُتُ لَهُمَا الْخِيَارُ فِي بَيْعِ التَّلْجِئَةِ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَقْصِدَا زَوَالَ الْمِلْكِ فَصَارَ كَشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُمَا فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إِجَازَتِهِمَا، وَلَوِ ادَّعَى أَحَدُهُمَا التَّلْجِئَةَ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ لِأَنَّهُ يَدَّعِي انْفِسَاخَ الْعَقْدِ بَعْدَ انْعِقَادِهِ، وَيُسْتَحْلَفُ الْآخَرُ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ.
[بَابُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وأحكامه]
بَابُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ (وَهُوَ يُفِيدُ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ) بِأَمْرِ الْبَائِعِ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً كَمَا إِذَا قَبَضَهُ فِي الْمَجْلِسِ وَسَكَتَ حَتَّى يَجُوزَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ إِلَّا الِانْتِفَاعَ، لِمَا رُوِيَ «أَنَّ عَائِشَةَ لَمَّا أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ بَرِيرَةَ فَأَبَى مَوَالِيهَا أَنْ يَبِيعُوهَا إِلَّا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُمْ، فَاشْتَرَتْ وَشَرَطَتِ الْوَلَاءَ لَهُمْ ثُمَّ أَعْتَقَتْهَا، وَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَجَازَ الْعِتْقَ وَأَبْطَلَ الشَّرْطَ» فَالنَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَجَازَ الْعِتْقَ مَعَ فَسَادِ الْبَيْعِ بِالشَّرْطِ، وَلِأَنَّ رُكْنَ التَّمْلِيكِ وَهُوَ قَوْلُهُ: بِعْتُ وَاشْتَرَيْتُ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ هُوَ الْمُكَلَّفُ الْمُخَاطَبُ مُضَافًا إِلَى مَحَلِّهِ وَهُوَ الْمَالُ عَنْ وِلَايَةٍ، إِذِ الْكَلَامُ فِيهِمَا فَيَنْعَقِدُ لِكَوْنِهِ وَسِيلَةً إِلَى الْمَصَالِحِ وَالْفَسَادِ لِمَعْنًى يُجَاوِرُهُ كَالْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ، وَالنَّهْيُ لَا يَنْفِي الِانْعِقَادَ بَلْ يُقَرِّرُهُ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي تَصَوُّرَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَالْقُدْرَةَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ النَّهْيَ عَمَّا لَا يُتَصَوَّرُ وَعَنْ غَيْرِ الْمَقْدُورِ قَبِيحٌ، إِلَّا أَنَّهُ يُفِيدُ مِلْكًا خَبِيثًا لِمَكَانِ النَّهْيِ.
(وَ) لِهَذَا كَانَ. (لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَسْخُهُ) إِزَالَةً لِلْخُبْثِ وَرَفْعًا لِلْفَسَادِ.
(وَيُشْتَرَطُ قِيَامُ الْمَبِيعِ حَالَةَ الْفَسْخِ) لِأَنَّ الْفَسْخَ بِدُونِهِ مُحَالٌ.
(فَإِنْ بَاعَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ وَهَبَهُ بَعْدَ الْقَبْضِ جَازَ) لِمُصَادَفَةِ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ مِلْكَهُ وَمُنِعَ الْفَسْخُ، وَكَذَا كُلُّ تَصَرُّفٍ لَا يُفْسَخُ كَالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ، وَمَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ يُفْسَخُ كَالْإِجَارَةِ، فَإِنَّهَا تُفْسَخُ بِالْأَعْذَارِ وَهَذَا عُذْرٌ، وَالرَّهْنُ يَمْنَعُ الْفَسْخَ