للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَنْ شَرَطَ الْبَرَاءَةَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ فَلَيْسَ لَهُ الرَّدُّ أَصْلًا، وَإِذَا بَاعَهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ إِنْ قَبِلَهُ بِقَضَاءٍ رَدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ، وَإِنْ قَبِلَهُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ لَمْ يَرُدَّهُ، وَيَسْقُطُ الرَّدُّ بِمَا يَسْقُطُ بِهِ خِيَارُ الشَّرْطِ.

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

الْكَسْرَ عَيْبٌ حَادِثٌ فَيَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ لِمَا بَيَّنَّا.

قَالَ: (وَمَنْ شَرَطَ الْبَرَاءَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ فَلَيْسَ لَهُ الرَّدُّ أَصْلًا) لِأَنَّهُ إِسْقَاطٌ وَالْإِسْقَاطُ لَا يُفْضِي إِلَى الْمُنَازَعَةِ فَيَجُوزُ مَعَ الْجَهَالَةِ، وَلَوْ حَدَثَ عَيْبٌ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ دَخَلَ فِي الْبَرَاءَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ وَقْتَ الْإِبْرَاءِ فَلَا يَتَنَاوَلُهُ، وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمَقْصُودَ سُقُوطُ حَقِّ الْفَسْخِ بِالْعَيْبِ، وَذَلِكَ الْبَرَاءَةُ عَنِ الْمَوْجُودِ وَالْحَادِثِ، وَلَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ كُلِّ غَائِلَةٍ. قَالَ أَبُو يُوسُفَ: هِيَ السَّرِقَةُ وَالْإِبَاقُ وَالْفُجُورُ دُونَ الْمَرَضِ، لِأَنَّ الْغَائِلَةَ تَخْتَصُّ بِالْفِعْلِ، وَإِنْ أَبْرَأَهُ مِنْ كُلِّ دَاءٍ.

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الدَّاءُ مَا فِي الْجَوْفِ مِنْ طِحَالٍ أَوْ كَبِدٍ أَوْ فَسَادِ حَيْضٍ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ يُسَمَّى مَرَضًا.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ الْمَرَضُ. وَلَوْ قَالَ بَرِئْتُ إِلَيْكَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ بِعَيْنِهِ فَإِذَا هُوَ أَعْوَرُ، أَوْ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ بِيَدِهِ فَإِذَا هُوَ أَقْطَعُ لَا يَبْرَأُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَيْبٍ بِالْمَحَلِّ بَلْ هُوَ عَدَمُ الْمَحَلِّ.

قَالَ: (وَإِذَا بَاعَهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ إِنْ قَبِلَهُ بِقَضَاءٍ رَدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ) لِأَنَّهُ فَسْخٌ مِنَ الْأَصْلِ فَجُعِلَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ، وَهُوَ وَإِنْ أَنْكَرَ فَقَدْ صَارَ مُكَذَّبًا شَرْعًا.

(وَإِنْ قَبِلَهُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ لَمْ يَرُدَّهُ) لِأَنَّهُ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقٍّ ثَالِثٍ لِوُجُودِ حَدِّهِ وَهُوَ التَّمْلِيكُ وَالتَّمَلُّكُ، وَإِنْ رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ، رَدَّهُ عَلَيْهِ أَيْضًا لِأَنَّ الرَّدَّ مُتَعَيَّنٌ فِيهِ، فَيَسْتَوِي فِيهِ الْقَضَاءُ وَعَدَمُهُ.

قَالَ: (وَيَسْقُطُ الرَّدُّ بِمَا يَسْقُطُ بِهِ خِيَارُ الشَّرْطِ) وَقَدْ ذُكِرَتْ فِيهِ، وَذُكِرَ الْبَعْضُ هُنَا أَيْضًا.

١ -

فَصْلٌ فِي التَّلْجِئَةِ

وَهِيَ فِي اللُّغَةِ: مَا أُلْجِئَ إِلَيْهِ الْإِنْسَانُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، وَلَمَّا كَانَ هَذَا الْعَقْدُ إِنَّمَا يُعْقَدُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ سَمَّوْهُ تَلْجِئَةً؛ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْإِكْرَاهِ، وَفِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ:

إِحْدَاهَا: أَنْ تَكُونَ التَّلْجِئَةُ فِي نَفْسِ الْمَبِيعِ، مِثْلَ أَنْ يَخَافَ عَلَى سِلْعَتِهِ ظَالِمًا أَوْ سُلْطَانًا فَيَقُولُ: أَنَا أُظْهِرُ الْبَيْعَ، وَلَيْسَ بِبَيْعٍ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا هُوَ تَلْجِئَةٌ، وَيُشْهِدُ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ يَبِيعُهَا فِي الظَّاهِرِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ.

حَكَى الْمُعَلَّى عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعَقْدَ جَائِزٌ. وَرَوَى مُحَمَّدٌ فِي الْإِمْلَاءِ أَنَّهُ بَاطِلٌ وَلَمْ يُحْكَ خِلَافًا، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ.

وَجْهُ الْأُولَى أَنَّهُمَا عَقَدَا عَقْدًا صَحِيحًا وَمَا شَرَطَاهُ لَمْ يَذْكُرَاهُ فِيهِ، فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ كَمَا إِذَا اتَّفَقَا أَنْ يَشْرُطَا شَرْطًا فَاسِدًا ثُمَّ تَبَايَعَا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ. وَوَجْهُ الثَّانِيَةِ أَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُمَا لَمْ يَقْصِدَا الْعَقْدَ فَصَارَا كَالْهَازِلَيْنِ فَلَا يَنْعَقِدُ.

الثَّانِيَةُ: أَنْ تَكُونَ فِي الْبَدَلِ بِأَنْ يَتَّفِقَا عَلَى أَلْفٍ فِي السِّرِّ وَيَتَبَايَعَا فِي الظَّاهِرِ بِأَلْفَيْنِ. رَوَى الْمُعَلَّى عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الثَّمَنَ ثَمَنُ الْعَلَانِيَةِ. وَرَوَى مُحَمَّدٌ فِي الْإِمْلَاءِ أَنَّ الثَّمَنَ ثَمَنُ

<<  <  ج: ص:  >  >>