وَالْقَاصِدُ وَالْمُكْرَهُ وَالنَّاسِي فِي الْيَمِينِ سَوَاءٌ.
فَصْلٌ وَحُرُوفُ الْقَسَمِ: الْبَاءُ، وَالْوَاوُ، وَالتَاءُ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ وَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّتِي هِيَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ» ، وَرُوِيَ: «ثُمَّ لْيُكَفِّرْهُ يَمِينَهُ» أَمْرٌ وَأَنَّهُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ وَلَا وُجُوبَ قَبْلَ الْحِنْثِ، أَوْ نَقُولُ: إِذَا حَنِثَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُكَفِّرَ بِالْأَمْرِ، وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ سَاتِرَةٌ وَالسِّتْرُ يَعْتَمِدُ ذَنْبًا أَوْ جِنَايَةً، وَلَمْ يُوجَدْ قَبْلَ الْحِنْثِ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ هِيَ الْحِنْثُ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ هَتْكِ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْيَمِينُ مَانِعَةٌ مِنْ ذَلِكَ فَلَا تَكُونُ سَبَبًا مُفْضِيًا إِلَى الْحِنْثِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا كَفَّرَ بَعْدَ الْجُرْحِ قَبْلَ زُهُوقِ الرُّوحِ، لِأَنَّ الْجُرْحَ سَبَبٌ مُفْضٍ إِلَى الزُّهُوقِ غَالِبًا، وَبِخِلَافِ مَا إِذَا أَدَّى الزَّكَاةَ بَعْدَ النِّصَابِ قَبْلَ الْحَوْلِ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمَالُ.
قَالَ: (وَالْقَاصِدُ وَالْمُكْرَهُ وَالنَّاسِي فِي الْيَمِينِ سَوَاءٌ) قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: الطَّلَاقُ وَالنِّكَاحُ وَالْأَيْمَانُ» ، وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَرْبَعَةٌ لَا رِدِّيدَى فِيهِنَّ. وَعَدَّ مِنْهَا الْأَيْمَانَ. وَرُوِيَ: «أَنَّ الْمُشْرِكِينَ اسْتَحْلَفُوا حُذَيْفَةَ وَأَبَاهُ أَنْ لَا يُعِينَا رَسُولَ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، فَقِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ: يَفِي لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ وَنَسْتَعِينُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ» ، فَحَكَمَ بِصِحَّةِ الْيَمِينِ مَعَ الْإِكْرَاهِ، وَالْكَلَامُ فِي الْإِكْرَاهِ مَضَى فِي بَابِهِ، وَلِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ هُوَ الْفِعْلُ، وَوُجُودُ الْفِعْلِ حَقِيقَةً لَا يَعْدِمُهُ الْإِكْرَاهُ وَالنِّسْيَانُ، وَلَا يَصِحُّ يَمِينُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالنَّائِمِ لِمَا مَرَّ فِي الطَّلَاقِ.
[فصل حُرُوفُ الْقَسَمِ وفيما يكون به اليمين]
فَصْلٌ (وَحُرُوفُ الْقَسَمِ: الْبَاءُ، وَالْوَاوُ، وَالتَّاءُ) هُوَ الْمَعْهُودُ الْمُتَوَارَثُ، وَقَدْ وَرَدَ بِهَا الْقُرْآنُ، قَالَ تَعَالَى: {وَاللَّهِ رَبِّنَا} [الأنعام: ٢٣] ، وَقَالَ: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ} [النساء: ٦٢] ، وَقَالَ: {تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا} [النحل: ٦٣] ، وَلِلَّهِ يَمِينٌ أَيْضًا لِأَنَّ اللَّامَ تُبْدَلُ مِنَ الْبَاءِ، قَالَ تَعَالَى: {آمَنْتُمْ بِهِ} [البقرة: ١٣٧] وَ {آمَنْتُمْ لَهُ} [طه: ٧١] ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ حَرْفَ الْبَاءِ لِلْإِلْصَاقِ وَضْعًا وَالْوَاوُ بَدَلٌ عَنْهُ فَإِنَّهُ لِلْجَمْعِ، وَفِي الْإِلْصَاقِ مَعْنَى الْجَمْعِ، وَالتَّاءُ بَدَلٌ مِنَ الْوَاوِ، وَكَقَوْلِهِمْ: تُرَاثٌ، وَتُجَاهٌ، فَلَمَّا كَانَتِ الْبَاءُ أَصْلًا صَلَحَتْ لِلْقَسَمِ فِي اسْمِ اللَّهِ وَسَائِرِ الْأَسْمَاءِ وَفِي الْكِنَايَةِ كَقَوْلِهِمْ: بِكَ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا، وَكَوْنُ الْوَاوِ بَدَلًا عَنْهَا نَقَصَتْ عَنْهَا فَصَلَحَتْ فِي الْأَسْمَاءِ الصَّرِيحَةِ دُونَ الْكِنَايَةِ، وَكَوْنُ التَّاءِ بَدَلَ الْبَدَلِ اخْتُصَّتْ بِسْمِ اللَّهِ وَحْدَهُ، وَلَمْ تَصْلُحْ فِي غَيْرِهِ مِنَ الْأَسْمَاءِ وَلَا فِي الْكِنَايَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute