للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَتُضْمَرُ الْحُرُوفُ فَتَقُولُ: اللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا، وَالْيَمِينُ بِاللَّهِ تَعَالَى وَبِأَسْمَائِهِ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى نِيَّةٍ إِلَّا فِيمَا يُسَمَّى بِهِ غَيْرُهُ كَالْحَكِيمِ وَالْعَلِيمِ، وَبِصِفَاتِ ذَاتِهِ كَعِزَّةِ اللَّهِ وَجَلَالِهِ، إِلَّا وَعِلْمِ اللَّهِ فَلَا يَكُونُ يَمِينًا، وَكَذَلِكَ وَرَحْمَةِ اللَّهِ وَسَخَطِهِ وَغَضَبِهِ،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

قَالَ: (وَتُضْمَرُ الْحُرُوفُ فَتَقُولُ: اللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا) ثُمَّ قَدْ يُنْصَبُ لِنَزْعِ الْخَافِضِ، وَقَدْ يُخْفَضُ دَلَالَةً عَلَيْهِ وَهُوَ خِلَافٌ بَيْنَ الْبَصْرِيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ، «وَالنَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَلَّفَ الَّذِي طَلَّقَ امْرَأَتَهُ الْبَتَّةَ اللَّهِ مَا أَرَدْتَ بِالْبَتَّةِ إِلَّا وَاحِدَةً» ، وَالْحَذْفُ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ تَخْفِيفًا، وَالْحَلِفُ فِي الْإِثْبَاتِ أَنْ يَقُولَ: وَاللَّهِ لَقَدْ فَعَلْتُ كَذَا، أَوْ وَاللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا. مَقْرُونًا بِالتَّأْكِيدِ وَهُوَ اللَّامُ وَالنُّونُ، حَتَّى لَوْ قَالَ: وَاللَّهِ لَأَفْعَلُ كَذَا الْيَوْمَ فَلَمْ يَفْعَلْهُ لَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ، لِأَنَّ الْحَلِفَ فِي الْإِثْبَاتِ لَا يَكُونُ إِلَّا بِحَرْفِ التَّأْكِيدِ لُغَةً، أَمَّا فِي النَّفْيِ يَقُولُ: وَاللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا، أَوْ وَاللَّهِ مَا فَعَلْتُ كَذَا.

قَالَ: (وَالْيَمِينُ بِاللَّهِ تَعَالَى وَبِأَسْمَائِهِ) لِأَنَّهُ يَجِبُ تَعْظِيمُهُ وَلَا يَجُوزُ هَتْكُ حُرْمَةِ اسْمِهِ أَصْلًا، وَلِأَنَّهُ مُتَعَاهَدٌ مُتَعَارَفٌ، وَالْأَيْمَانُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ، فَمَا تَعَارَفَ النَّاسُ الْحَلِفَ بِهِ يَكُونُ يَمِينًا وَمَا لَا فَلَا، لِأَنَّ قَصْدَهُمْ وَنِيَّتَهُمْ تَنْصَرِفُ إِلَى الْحَقِيقَةِ الْعُرْفِيَّةِ كَمَا يَنْصَرِفُ عِنْدَ عَدَمِ الْعُرْفِ إِلَى الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ، لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ الْعُرْفِيَّةَ قَاضِيَةٌ عَلَى اللُّغَوِيَّةِ لِسَبْقِ الْفَهْمِ إِلَيْهَا.

قَالَ: (وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى نِيَّةٍ إِلَّا فِيمَا يُسَمَّى بِهِ غَيْرُهُ كَالْحَكِيمِ وَالْعَلِيمِ) فَيَحْتَاجُ إِلَى النِّيَّةِ، وَقِيلَ لَا يَحْتَاجُ فِي جَمِيعِ أَسْمَائِهِ وَيَكُونُ حَالِفًا، لِأَنَّ الْحَلِفَ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَجُوزُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَصَدَ يَمِينًا صَحِيحَةً فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ فَيَكُونُ حَالِفًا، إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ نَوَى مُحْتَمَلَ كَلَامِهِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ: وَأَمَانَةِ اللَّهِ، يَمِينٌ، فَلَمَّا سُئِلَ عَنْ مَعْنَاهُ قَالَ: لَا أَدْرِي. كَأَنَّهُ وَجَدَ الْعَرَبَ يَحْلِفُونَ بِذَلِكَ عَادَةً فَجَعَلَهُ يَمِينًا. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَيْسَ بِيَمِينٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَرَادَ الْفَرَائِضَ، ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ.

قَالَ: (وَبِصِفَاتِ ذَاتِهِ كَعِزَّةِ اللَّهِ وَجَلَالِهِ، إِلَّا: وَعِلْمِ اللَّهِ، فَلَا يَكُونُ يَمِينًا، وَكَذَلِكَ: وَرَحْمَةِ اللَّهِ وَسَخَطِهِ وَغَضَبِهِ) لَيْسَ بِيَمِينٍ.

اعْلَمْ أَنَّ الصِّفَاتِ ضَرْبَانِ: صِفَاتُ الذَّاتِ، وَصِفَاتُ الْفِعْلِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلَّ مَا يُوصَفُ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوصَفَ بِضِدِّهِ فَهُوَ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ، كَالْقُدْرَةِ وَالْعِزَّةِ وَالْعِلْمِ وَالْعَظَمَةِ، وَكُلُّ مَا يَجُوزُ أَنْ يُوصَفَ بِهِ وَبِضِدِّهِ فَهُوَ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ كَالرَّحْمَةِ وَالرَّأْفَةِ وَالسَّخَطِ وَالْغَضَبِ، فَمَا كَانَ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ إِذَا حَلَفَ بِهِ يَكُونُ يَمِينًا إِلَّا وَعِلْمِ اللَّهِ، لِأَنَّ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى قَدِيمَةٌ كَذَاتِهِ، فَمَا تَعَارَفَ النَّاسُ الْحَلِفَ بِهِ صَارَ مُلْحَقًا بِالِاسْمِ وَالذَّاتِ فَيَكُونُ يَمِينًا وَإِلَّا فَلَا، وَعِلْمُ اللَّهِ لَيْسَ بِمُتَعَارَفٍ حَتَّى قَالَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ: لَا يَكُونُ يَمِينًا وَإِنْ نَوَاهُ لِعَدَمِ التَّعَارُفِ، وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ يَكُونُ يَمِينًا كَغَيْرِهَا مِنَ الصِّفَاتِ، وَلِأَنَّ صِفَاتِ الذَّاتِ لَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهَا مَعْنًى غَيْرَ الذَّاتِ كَانَ ذِكْرُهَا كَذِكْرِ الذَّاتِ فَكَانَ قَوْلُهُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>