وَعَلَيْهِ أَنْ يُسْكِنَهَا دَارًا مُفْرَدَةً لَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ، وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ أَهْلَهَا وَوَلَدَهَا مِنْ غَيْرِهِ الدُّخُولَ عَلَيْهَا، وَلَا يَمْنَعُهُمْ كَلَامَهَا وَالنَّظَرَ إِلَيْهَا، وَلَا يَمْنَعُهُمَا مِنَ الدُّخُولِ إِلَيْهَا كُلَّ جُمُعَةٍ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْأَقَارِبِ كُلَّ سَنَةٍ.
وَلِلْمُطَلَّقَةِ النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى فِي عِدَّتِهَا بَائِنًا كَانَ أَوْ رَجْعِيًّا،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
الْقَاضِي النَّفَقَةَ وَيَأْمُرَهَا بِالِاسْتِدَانَةِ عَلَيْهِ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ. وَقَالَ زُفَرُ: تُقْبَلُ وَيَقْضِي بِالنَّفَقَةِ، وَاسْتَحْسَنُوا ذَلِكَ لِلْحَاجَةِ، وَعَلَيْهِ الْقُضَاةُ الْيَوْمَ وَهُوَ مُجْتَهِدٌ فِيهِ فَيُنَفَّذُ.
قَالَ: (وَعَلَيْهِ أَنْ يُسْكِنَهَا دَارًا مُفْرَدَةً لَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ) ، أَمَّا وُجُوبُ السُّكْنَى فَلِأَنَّهَا مِنَ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ وَهِيَ مِنَ الْكِفَايَةِ فَتَجِبُ كَالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {أَسْكِنُوهُنَّ} [الطلاق: ٦] ، فَكَانَ وَاجِبًا حَقًّا لَهَا، وَتَكُونُ بَيْنَ قَوْمٍ صَالِحِينَ لِيُعِينُوهَا عَلَى مَصَالِحِ دُنْيَاهَا وَيَمْنَعُوهُ مِنْ ظُلْمِهَا لَوْ أَرَادَ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُشْرِكَ مَعَهَا غَيْرَهَا، لِأَنَّهُ قَدْ لَا تَأْمَنُ عَلَى مَتَاعِهَا وَلَا تَتَخَلَّى لِاسْتِمْتَاعِهَا إِلَّا أَنْ تَخْتَارَ ذَلِكَ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِنَقْصِ حَقِّهَا، وَلَوْ كَانَ فِي الدَّارِ بُيُوتٌ وَأَبَتْ أَنْ تَسْكُنَ مَعَ ضَرَّتِهَا أَوْ مَعَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِهِ إِنْ أَخْلَى لَهَا بَيْتًا مِنْهَا وَجَعَلَ لَهُ مَرَافِقَ وَغَلْقًا عَلَى حِدَةٍ - لَيْسَ لَهَا أَنْ تَطْلُبَ بَيْتًا آخَرَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا بَيْتٌ وَاحِدٌ فَلَهَا ذَلِكَ.
قَالَ: (وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ أَهْلَهَا وَوَلَدَهَا مِنْ غَيْرِهِ الدُّخُولَ عَلَيْهَا) لِأَنَّ الْمَنْزِلَ مِلْكُهُ، (وَلَا يَمْنَعُهُمْ كَلَامَهَا وَالنَّظَرَ إِلَيْهَا) أَيَّ وَقْتٍ شَاءَ لِمَا فِيهِ مِنْ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ، وَلَا ضَرَرَ فِيهِ إِنَّمَا الضَّرَرُ فِي الْمَقَامِ. وَقِيلَ لَا يَمْنَعُهَا مِنَ الْخُرُوجِ إِلَى الْوَالِدَيْنِ، وَقِيلَ يَمْنَعُ (وَلَا يَمْنَعُهُمَا مِنَ الدُّخُولِ إِلَيْهَا كُلَّ جُمُعَةٍ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْأَقَارِبِ كُلَّ سُنَّةٍ) وَهُوَ الْمُخْتَارُ.
[فصل نَفَقَةُ المطلقة]
فَصْلٌ (وَلِلْمُطَلَّقَةِ النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى فِي عِدَّتِهَا بَائِنًا كَانَ أَوْ رَجْعِيًّا) أَمَّا الرَّجْعِيُّ فَلَمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ النِّكَاحَ قَائِمٌ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَحِلَّ لَهُ الْوَطْءُ وَغَيْرُهُ. وَأَمَّا الْبَائِنُ فَلِأَنَّهَا مَحْبُوسَةٌ فِي حَقِّهِ، وَهُوَ صِيَانَةُ الْوَلَدِ بِحِفْظِ الْمَاءِ عَنِ الِاخْتِلَاطِ، وَالْحَبْسُ لِحَقِّهِ مُوجِبٌ لِلنَّفَقَةِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَأَمَّا حَدِيثُ «فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّهَا قَالَتْ: طَلَّقَنِي زَوْجِي ثَلَاثًا فَلَمْ يَفْرِضْ لِي رَسُولُ اللَّهِ سُكْنَى وَلَا نَفَقَةَ» رَدَّهُ عُمَرُ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَجَابِرٌ وَعَائِشَةُ، قَالَ عُمَرُ: لَا نَدَعُ كِتَابَ رَبِّنَا وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا بِقَوْلِ امْرَأَةٍ لَا نَدْرِي أَصَدَقَتْ أَمْ كَذَبَتْ، حَفِظَتْ أَمْ نَسِيَتْ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَقُولُ: «لِلْمُطَلَّقَةِ الثَّلَاثَ النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ» ". وَيُرْوَى: «الْمَبْتُوتَةُ لَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى» ، وَلِأَنَّهُ وَرَدَ مُخَالِفًا قَوْله تَعَالَى: {أَسْكِنُوهُنَّ} [الطلاق: ٦] وَمُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ فِي السُّكْنَى، فَإِنِ ادَّعَتْ أَنَّهَا حَامِلٌ أَنْفَقَ عَلَيْهَا إِلَى سَنَتَيْنِ مُنْذُ طَلَّقَهَا احْتِيَاطًا لِلْعِدَّةِ، فَإِنْ قَالَتْ: كُنْتُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute